الجمعة - 19 ابريل 2024

زرزور جاسوس مأجور..!

منذ 5 سنوات
الجمعة - 19 ابريل 2024

ا.د.ضياء واجد المهندس

في نهاية السبعينات، دخلت كلية الهندسة جامعة بغداد في باب المعظم، ولاني مدمن منذ الصغر على شرب الشاي ،فان اول اصدقائي كان الجايجي الثلاثيني العمر ابو حسن من سكنة اطراف مدينة الثورة ..في يوم ربيعي وبعد التاسعة والنصف ،دخلت الكلية وتوجهت الى ابو حسن لاشرب الشاي ،لاني متاخر على المحاضرة الاولى، ولان ابوحسن لوحده مع اثنين من الطالبات البيضاويات الرشيقات متوسطات الطول .رايت ابو حسن يصب حليب وشاي في كوبين انيقين ومهتم بالنظافة وغسل الملاعق ولم يعر لي اهمية ،فقلت : ابو حسن ، الجاي حليب بس للحلوات ، الاكواب خصوصية، و الفقير اله الله حتى الكلاص اعوج، وجدت ابو حسن مرتبك جدا وهو يحاول اسكاتي بالاشارات و الكلمات ..ذهبن الطالبات واحداهن ذات الانف المدبب ابتسمت ،وبعد ان ابتعدن ، بدا ابو حسن السباب لي  قائلا: اسويت ، ولك يسحلوك ، يسحلون اهلك ،انت واهلك يطبكم مرض ، بس انه صاحب عايلة …قلت له: شبيك؟ ، قال : ولك اذا تحجي ويه بنت رفيق يكتلك بالشارع ، وانت ما لكيت بس رزان ؟ قلت له : يا رزان ؟ قال: بنت ميشيل عفلق..صدمت وبقيت في ذهول لاستوعب الحالة ، قال لي : روح الها واعتذر ،وكول الها ابوحسن ما يعرفني وما اعرفه وما اله علاقة !!!

ذهبت اليها بهدوء وبخطىء بطيئة وانا افكر فيما اقول ،وكانت جالسة وصديقتها بنت عضو قيادة قومية ، وقلت لها : صباح ا الخير ..

قالت: اهلا . بقيت امامها لدقائق لا اعرف ما اقول !!، حتى قالت : شو ؟؟؟؟، قلت : لم اكن اعرفك . واعتذر عن كلامي ! قالت مبتسمة: كلام عادي .قلت : ابو حسن ما له علاقة ..قالت : شو فيه العمو؟ !

.قلت : اينما تكوني لا اكون ، مثلما يريد ابو حسن، لانه فقير وعنده عايلة…وبالفعل كلما امر من قسم الهندسة المعمارية وهو طريقي لقسمي، وتكون على قرب مني، ابعد نظري عنها وانا الاحظ ابتسامتها  ..

عندما تم تاسيس كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية ، شغلت ابنية كلية هندسة بغداد السابقة في باب المعظم ،والذي بقى فيها ابو حسن المسالم الفقير التعبان من الزمن و الغلاء..

وكنت كلما رأني قرب العمادة ،ياتيني بقدح الشاي وعندما اعاتبه على هذا  يقول : بيني وبينك شكر وچاي ، وهو اكثر من الزاد والملح ، بيني وبينك عمر ..عندما انتقلت من الجامعة المستنصرية الى جامعة  بغداد  بفترة سالت عن ابو حسن ، قالوا لي : ان عميد الهندسة ،وهو اختصاص جغرافية او تخطيط تم تنسيبه من بابل الى هندسة المستنصرية، امر بطرد ابو حسن خارج الكلية، لانه يشك بانه جاسوس ماجور على العميد ذو الماضي البعثي السيء..وعندما انشأ ابوحسن كشكه ليبيع الشاي قرب دائرة المرور، الذي تبعد مسافة ٥٠ م عن الكلية ، مر العميد فرأه ، فرجع وامر حمايته ان لا يجعلوا ابو حسن في باب المعظم ، لان زرزور جاسوس مأجور ، قائل العميد وهو يقف وقفة الرفاق الحزبيين ايام تجنيد الجيش الشعبي: لا اريد ان اراه على مد البصر، ما اريد زرزور في باب المعظم ..بعد اكثر من ٣٥ سنة عرفت ان ابو حسن اسمه زرزور ، هذا الرجل الفقير الذي اعتاش واعال اهله من قوري واقداح الشاي، احبه كل الناس على مدار الاربع عقود الا العميد  التافه …

قبل ايام سئلت عن زرزور لازوره ، اجابوني انه توفى ، و هو الان بين يدري رب رحيم ، غفور كريم ..رحل وفي نفسه غصة الذل من تسلط اشباه الرجال على البسطاء من الناس الذين لا يملكون فرصة للحياة الا تحت مظلة رب العفو والمغفرة  …لا اعرف ان كان تعسف و طغيان بعض من تحسب نفسها قيادات هو سبب وفاته ، ولكن هذا جزء من تعسف بعض ما يسمى قيادات التعليم العالي الذي جلبتهم الصدفة والاحزاب ،واقول : ايها المتعسفون ، انكم مجرمون الى حد الجنون ،وستلاقون رب قوي عزيز يوم لا ينفع منصب ولا حزب ولا سلطة..

لنا ولكم الله وللعراق الواهب العاطي الرزاق