الخميس - 28 مارس 2024

دور المنظمات الدولية الإقليمية في صنع السلام في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا/ 2

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


ضحى الخالدي ||

دراسة مقارنة بين الاتحاد الاوروبي ومجموعة الآسيان، ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
ورقة بحثية مقدمة الى معهد أبرار معاصر للدراسات الإستراتيجية- طهران/ آب 2021
اسم الباحث: ضحى الخالدي- العراق
المبحث الثاني
الآسيان ASEAN.. نهضة نمور آسيا
(رؤية واحدة، هوية واحدة، مجتمع واحد) هو شعار مجموعة دول الآسيان ASEAN التي لا ترتبط بهوية عرقية او دينية أو لغوية وثقافية ومجتمعية واحدة، ففيها البوذي والكونفوشيوسي والمسلم والمسيحي، وتتحدث شعوبها بأكثر من عشر لغات رسمية، وتتفاوت مستوياتها الاقتصادية والطبقية الاجتماعية بين بلدانها ناهيك عن داخل البلد الواحد، منظمة أسست في عام 1967 لأسباب أمنية تتعلق بالحرب الباردة ومحاولة الولايات المتحدة الأميركية صنع تكتل إقليمي يوازن الكفة الراجحة لصالح الاتحاد السوفييتي والصين بعد انسحاب فرنسا من شبه جزيرة الهند الصينية، وانتصار فييتنام وتمددها الى كمبوديا، الا أن التعاطي الدبلوماسي لدول الآسيان حتى مع القضايا الأمنية الحساسة جعل هذا التكتل ذا سمة اقتصادية بالدرجة الأساس؛ تضم هذه المجموعة أساساً عشر دول هي:
إندونيسيا، ماليزيا، الفليبين، سنغافورة، تايلاند، بروناي، فيتنام، لاوس، بورما، كمبوديا،
وفيما بعد انضمّت لها نيوزيلندا وباكستان والصين في شراكة مستدامة؛ وللمنظمة مقر في وزارة الخارجية الإندونيسية في العاصمة جاكارتا.
مقارنة بلقاءات القمة لجامعة الدول العربية منذ تأسيسها تعتبر لقاءات القمة في مجموعة آسيان نادرة وغير منتظمة، لكن الملفت للنظر هو استمرار عمل اللجان الفرعية وانتظام تطبيق اتفاقيات الوحدة الاقتصادية والتنمية بين بلدان المجموعة على العكس من غزارة القرارات عن جامعة الدول العربية والتي تهم الوضع الاقتصادي والسياسي للمواطن العربي، والتكامل بين البلدان العربية والتي لم تجد طريقها للتنفيذ منذ أكثر من سبعين عاماً، بل على العكس من ذلك نرى اندكاكاً شديداً للدول العربية النامية بالسوق العالمية واقتصاد الدول الكبرى لا سيما مع بدء ارتفاع المستوى المعيشي والاجتماعي لدول الخليج الفارسي في سبعينيات القرن العشرين.10
تمتلك مجموعة آسيان تعاوناً اقتصادياً مع دول شرق آسيا كاليابان والصين وكوريا الجنوبية، وكذلك مع أستراليا ونيوزيلندا، الهند، واتجهت غرباً نحو روسيا والاتحاد الأوروبي وكندا، وبالتأكيد مع الولايات المتحدة.11
وقفت وراء التأسيس حاجة أميركية إلى آلية أمنية في جنوب شرق آسيا تكون مهمتها حصار المد الشيوعي والحيلولة دون انتشاره وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى خلق هذه الآلية في محاولة لتنظيم صفوف الحلفاء في جنوب شرقي قارة آسيا، وتقوية اقتصادهم من خلال ضخ رؤوس الأموال الهائلة والزائدة عن دورة رأس المال الأمريكي، الذي نشأ وتكون بسبب فوائض أسعار النفط العربي وهو الأمر الذي يحقق عدة أهداف لخدمة المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، والتي من أبرزها :
– الحد من نفوذ النشاط الاقتصادي الياباني الآخذ في النمو.
– حصار البؤر الشيوعية في محاولة لتطويق فيتنام والإتحاد السوفيتي السابق فيما عرف حينئذ بسياسة الحصار (التطويق).
– دعم التكامل الإقليمي بين الدول الموالية والصديقة عبر الاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي.
و قد ركزت آسيان على الاستقلالية السياسية للدول الأعضاء من خلال جملة من المبادئ :
– أن يكون حل المنازعات بالطرق السلمية.
– عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.
– احترام الاستقلال والسلامة الإقليمية.
– عدم دعوة القوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة وحلها في إطار الرابطة.
بالرغم من أن التعاون الاقتصادي بين دول الآسيان قد بدأ في إطار ضيق و محدود، لنشاطات متعلقة بالغذاء و الطاقة و النقل و أجهزة الاتصال و الزراعة و السياحة فحقق التعاون بينهم احتياطياً غذائياً آسيوياً، إلا أن البداية الحقيقية لآليات التعاون الاقتصادي جاءت في الوقت الذي عقدت فيه قمة “بالي” بإندونيسيا عام 1976 و تم تشكيل ثلاث لجان رئيسية هي :
– معاهدة التجارة التفضيلية (الدولة الأولى بالرعاية) P.T.AS
– المشروعات الصناعية (للآسيان) A.I.P.S.
– المنطقة الصناعية المغلقة.
كان للتعاون الصناعي في مجالات التعدين والطاقة وصناعة السيارات والآلات الزراعية ومعدات الاتصال أكبر الأثر في التكامل الاقتصادي لدول المجموعة خلال فترة قصيرة، وبعد تشكيل آسيان للغرف التجارية عام 1972؛ ساهم القطاع الخاص في مجال التصنيع المشترك لا سيما صناعة السيارات.
ورغم الصبغة الاقتصادية والصناعية والتجارية لمجموعة الآسيان، فقد وجدت الدول الأعضاء نفسها ملزمة بالاهتمام بالجانب السياسي، سواءً الانفتاح على الدول خارج المنظومة كالولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، أو ما يخص القضايا الداخلية، وقد بدا ذلك واضحاً في الموقف من احتلال فيتنام لكمبوديا حيث وقفت دول المجموعة الى جانب كمبوديا، ووقفت الى جانب الصين ضد الاتحاد السوفييتي الذي بدا مؤيداً للغزو الفيتنامي؛ واستمرت جهود دول المجموعة حثيثة خلال عقد الثمانينيات لا سيما مشروع السلام المقدم في مؤتمر بانكوك 1988 والذي ارتكز على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الفيتنامية على ثلاثة مراحل، ونزع سلاح الفصائل الكمبودية على مرحلتين، وتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة تحت إشراف دولي، وانتهت جهود رابطة الآسيان بدخولها في مفاوضات مع الجانب الفيتنامي، وتشكيل مجلس وطني أعلى من المعارضة يشغل مقعد كمبوديا في الأمم المتحدة.12
الغريب أن مثل هذا الموقف لم يصدر من رابطة الآسيان لإيجاد حل للمجازر بحق المسلمين في بورما على يد الطائفة البوذية، وبتدخل حكومي!
وبذا نجد أن رابطة الآسيان تشكلت لأهداف أمنية إلا أنها عجزت عن تشكيل تكتل عسكري في المنطقة لاعتمادها الحلول الدبلوماسية في حل القضايا العالقة داخلياً وخارجياً، أما في مجال التعاون السياسي فإن الرابطة تضع في الحسبان أن المشاكل الإقليمية لدولة ما تكون منوطة بالدولة المعنية، في حين تطور التعاون الاقتصادي الى اندماج اقتصادي عبر المنطقة التجارية الحرة والسوق المشتركة واتحاد المستهلكين وتقليل الجمارك وتزايد معدلات التجارة البينية والمشاريع الصناعية المشتركة ضمن مبادئ الاقتصاد الرأسمالي وتشجيع الاستثمارات الخارجية، فكانت المسحة التكاملية الاقتصادية هي ميزة هذه الرابطة، لأن الملف الاقتصادي هو الأسهل من بين الملفات الأمنية والسياسية، ولأجله حصلت تنازلات سياسية ضمن التكتل الإقليمي لدول المجموعة مثل تنازل الفليبين عن المطالبة بإقليم صباح في ماليزيا، وهذا ما لا نشهده في العلاقات الإقليمية ضمن منطقة غرب آسيا مثلاً، حيث وصل الصراع بين العراق وإيران أشده أيام حكم صدام حسين للعراق حول شط العرب، وكذلك بين الإمارات وإيران حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى) رغم وجود اتفاقيات ثنائية موقعة تحدد أطر التعاطي مع هذه الملفات، مما يشير بشكل جليّ الى وجود عامل مهم في تأجيج الصراعات يتمثل بالتأثير الخارجي، فيما ألقى التكامل الاقتصادي بين دول آسيان بظلاله على الاستقرار السياسي لدول الرابطة التي انمازت بالتضامن والوحدة وبانعدام هيمنة دولة واحدة على القرار داخل الرابطة، الأمر الذي تفتقده الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي حيث تتفرد مصر والسعودية، على التوالي بالهيمنة على القرار. وتجدر الملاحظة هنا أن هذه الدول التي بدأت كقوى اقتصادية صغيرة ومتوسطة تمثل اليوم بعض أقاليمها إحدى أكثر الدول ازدهاراً وتقدماً مثل سنغافورة صاحبة جواز السفر ذي المرتبة الأولى في العالم بالتناوب مع ألمانيا، وهي تضم جالية مسلمة لا يستهان بها، وكذلك ماليزيا الدولة ذات الأغلبية المسلمة والتي تتمتع بمستوى عالٍ من التقدم العلمي والرفاه الاقتصادي، وتمثل إندونيسيا الدولة الإسلامية الأكبر في العالم من حيث عدد السكان بما يزيد على 260 مليون نسمة.13
تغطي آسيان اليوم سوقاً استهلاكياً يتجاوز مليار و700 مليون نسمة بما في ذلك الصين، ويقطن دول الآسيان الأساسية العشرة حوالى 625 مليون نسمة ، ويبلغ حجم التجارة البينية أكثر من 600 مليار دولار، بإجمالي إنتاج اقتصادي مشترك يبلغ 2.6 تريليون دولار، وتهدف الى تبادل تجاري بيني يتجاوز تريليون دولار سنوياً، وقفز تبادلها التجاري مع العالم الى 2.5 تريليون دولار، وتحقق للصين تبادلاً تجارياً يفوق 300 مليار دولار سنوياً، ووصل الى 452.2 مليار دولار عام 2016 رغم أن المبدأ الأساسي لتأسيسها هو محاصرة المد الشيوعي في آسيا، ومن ثم فإن ما يحرك دول الآسيان ليس مصالح الآخرين بل مصالحها الإقليمية التي تحتم عليها مجابهة التحديات التي تفرضها عملية الموازنة في التعامل بين الشرق والغرب.14،15