الخميس - 28 مارس 2024

دور المنظمات الدولية الإقليمية في صنع السلام في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا/ 3

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


ضحى الخالدي ||

 دراسة مقارنة بين الاتحاد الاوروبي ومجموعة الآسيان، ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
 ورقة بحثية مقدمة الى معهد أبرار معاصر للدراسات الإستراتيجية- طهران/ آب 2021
اسم الباحث: ضحى الخالدي- العراق
• المبحث الثالث
مجلس التعاون لدول الخليج العربية GCC..نجاحات وإخفاقات التجربة
يقع مقر هذه المنظمة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وتضم ست دول هي:
السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عُمان.
أًنشأَت العام 1981 بهدف توثيق أوجه التعاون بين بلدان المنظمة، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف المجالات بما فيها الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية، بما في ذلك تشجيع تعاون القطاع الخاص.
تتكون من عدد من الأجهزة التي تشمل المجلس الأعلى المؤلف من رؤساء الدول الأعضاء ، ويعقد جلساته الدورية الاعتيادية بشكل منتظم سنوياً، ومهمته وضع السياسات العليا للمجلس، والنظر في التوصيات والتقارير، واعتماد أسس التعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية، وإقرار نظام هيئة تسوية المنازعات، وتعيين الأمين العام للمجلس، وتعديل النظام الأساسي، والتصديق على الميزانية العامة.
وتلي المجلس هيئة تسوية المنازعات، والمجلس الوزاري، والأمانة العامة.
للمجلس نظام أساسي 1981، ونظام أساسي لمكتب براءات الاختراع لمجلس التعاون، ونظام داخلي للمكتب الفني للاتصالات لمجلس التعاون، واللائحة التنفيذية لنظام براءات الاختراع 1996، والقانون (النظام) النموذجي للعلامات التجارية 1996، والنظام العام للبيئة لمجلس التعاون 1997، والنظام الموحد لاستغلال وحماية الثروة المائية الحية 1998، والنظام الموحد لتسجيل المستحضرات البيطرية والتعامل بها 1998، والنظام (القانون) الموحد للغابات والمراعي 1998، والنظام الموحد لحماية الحياة الفطرية وإنمائها 1998.
من أهم الاتفاقيات التي عُقِدَت في إطار مجلس التعاون؛ هي الاتفاقية الاقتصادية الموحدة 1981، واتفاقية الدفاع المشترك 2000، والاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون 2002، واتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية 1997، واتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية 2004، واتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون 2010.
جاءت اتفاقية الدفاع المشترك 2000 بعد عقدين من التعاون العسكري إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العمل العسكري المشترك، والذي –للمفارقة- تمظهر بعمليات درع الجزيرة في البحرين 2011، والحرب على اليمن 2015.
يمتلك المجلس إستراتيجية دفاعية وافق عليها رؤساء الدول الأعضاء في كانون الأول- ديسمبر 2009 تمثلت بتعزيز التكامل والتنسيق والترابط وتطوير الإمكانات الدفاعية والردع ومواجهة الأزمات والكوارث .
جاء تشكيل قوات درع الجزيرة عام 1982 كمنظومة دفاعية مشتركة لدول مجلس التعاون، وطُوِّرَت العام 2006 الى قوات درع الجزيرة المشتركة وعُزِّزَت بالجهد البحري والجوي لزيادة كفاءتها كقوة ساندة للقوات المسلحة الوطنية لدول المجلس، وعُزِّزَت في عام 2009 بقوة تدخل سريع، وفي عام 2013 طُوِّرَت قيادة قوات درع الجزيرة المشتركة لتكون القيادة البرية الموحدة التابعة للقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون تحت مسمى (قيادة قوات درع الجزيرة).
أنشأت القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس عام 2013 طبقاً للدراسة التفصيلية التي رفعها مجلس الدفاع المشترك، وصودق على قرارات مجلس الدفاع المشترك ذات العلاقة بإنشاء هذه القيادة وتفعيلها.
كما يندرج ضمن مؤسسات المجلس العسكرية؛ مركز العمليات البحري الموحد، ومقره البحرين حيث افتتح عام 2016، والأكاديمية الخليجية للدراسات الإستراتيجية والأمنية في أبوظبي- الإمارات، وأنشئ مشروع الاتصالات المؤمَّنة عام 2000 هادفاً لربط القوات المسلحة لدول المجلس بشبكة اتصالات عسكرية مؤمَّنة، ووافق رؤساء دول المجلس على مشروع (حزام التعاون) في عام 1997 لربط مراكز عمليات القوة الجوية والدفاع الجوي، وشُغِّلَت المرحلة الأولى منه عام 2001.
وفي مجال التعاون الأمني تمتلك دول المجلس إستراتيجية أمنية شاملة واتفاقية أمنية وتعاوناً في مجالات الدفاع المدني ومكافحة الإرهاب ومواجهة المخاطر النووية والإشعاعية، ومكافحة المخدرات، وتسهيل التنقل وانسياب السلع، وتعاوناً في مجال حرس الحدود وخفر السواحل، والتحقيقات والمباحث الجنائية.
وفي مجال التعاون الاقتصادي والمالي تهدف دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه الى إصدار عملة موحدة وتأسيس الاتحاد النقدي الذي يتطلب تثبيت ربط العملات بالدولار الأميركي كما اتفق عليه الأعضاء عام 2001، وأتمّوه عام 2002، وأنجزت الدول الأعضاء معايير للتقارب النقدي والمالي اعتُمِدَت في عام 2006، إلا أن الكويت في عام 2007 عدلت عن هذا الربط لأسباب شرَحتها للأمانة العامة في حينها، واستبدلته بالربط بسلة من العملات.
يحتاج الاتحاد النقدي الى بنية تشريعية وفرتها اتفاقية الاتحاد النقدي 2010، والى بنية مؤسساتية تتمثل بالمجلس النقدي الذي أُقِرَّ عام 2008، ودخل حيز النفاذ عام 2010، لكن ما ينقص كل هذه التشريعات والمؤسسات هو الإرادة السياسية.
وفّر الاتحاد الجمركي 2003 بين دول المجلس ومِن قبله إقامة منطقة التجارة الحرة 1983، مضاعفة التبادل التجاري البيني داخل المجلس، وإعفاء منتجات دول المجلس من الرسوم الجمركية شريطة اصطحابها شهادة المنشأ من الجهة الحكومية في الدول المصدرة للبضائع، وتوفير ممرات خاصة في المنافذ الخاصة بين الدول الأعضاء لمواطني دول المجلس كُتِبَ عليها (مواطنو دول مجلس التعاون)؛ يذكر أن منطقة التجارة الحرة استمرت حتى نهاية عام 2002 ليحل محلها الاتحاد الجمركي عام 2003، وخلال تلك الفترة (1983-2002) ارتفع حجم التبادل التجاري بين دول المجلس من أقل من 6 مليار دولار عام 1983 الى 15.1 مليار دولار عام 2002.
لعل أبرز أوجه التعاون التجاري بين دول المجلس هو السماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة التجزئة في أي دولة ومساواتهم بمواطني الدولة منذ 1987، ومساواة تجار الجملة من أي دولة عضو في المجلس بمواطني أي دولة في المجلس منذ عام 1990، وإنشاء هيئة التقييس ونشر المواصفات القياسية الخليجية بقرار صادر عام 2002، والمساواة في تداول الأسهم والتملك وتأسيس الشركات منذ 2002-2003، والسماح بفتح فروع في دول المجلس للشركات الخليجية ، وتطبيق المساواة التامة في معاملة الفروع معاملة الشركات الوطنية منذ 2010.
أقرت الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية لدول مجلس التعاون عام 1985، وعُدّلت عام 1998، ويذكر أن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة 1981 أعفت المنتجات الصناعية الوطنية من الرسوم الجمركية، وعززت هذه القرارات بالاتفاقية الاقتصادية 2001 والاتحاد الجمركي 2003، وجاء تشجيع الاستثمار الوطني بين دول المجلس عام 1986 بمنح القروض والمساواة في منح الإجازات الاستثمارية والقروض وتوحيد القوانين والأنظمة الصناعية، وعقد المؤتمرات واللقاءات بين الصناعيين في دول المجلس مع نظرائهم من الأوروبيين والأميركيين والهنود واليابانيين والروس، وحتى اليمنيين ليفتح آفاق الاستثمار الخليجي في مجال الصناعة حتى خارج حدود دول المجلس.
ناهيك عن التعاون في مجال الطاقة (لا سيما النفط) وتنسيق السياسة النفطية فيما يخص الانتاج والتسويق، والتعاون في مجال الاتصالات، وفي مجال الكهرباء يعتبر الربط الكهربائي بين دول المجلس أهم مشاريع البنى الأساسية لدول المجلس، وتسعى دول المجلس حالياً الى امتلاك ناصية الطاقة النووية (كالسعودية والإمارات) لأغراض توليد الطاقة الكهربائية.
ولافتقار دول المجلس الى الأنهار الجارية كمصدر للمياه العذبة يشكل الأمن المائي بالنسبة لها ملفاً شائكاً توليه هذه الدول
أهمية خاصة فيما يخص الترشيد والمحافظة على مصادر المياه التقليدية والإدارة المشتركة لمكامن المياه الجوفية المشتركة، وتوطين صناعة تحلية مياه البحر (اعتماد الخبرات الوطنية بدل الأجنبية، وهي صناعة مكلفة) وتقنية الري بالتنقيط، والمصادر غير التقليدية من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة، كل ذلك بسياسة مائية مشتركة تعمل على التنمية المستدامة للمياه.
ويلقي ملف المياه بظلاله بشكل أو بآخر على ملف التعاون الزراعي بين دول المجلس لتوفير الأمن الغذائي في بيئة صحراوية تفتقر الى المياه العذبة الوفيرة، والتربة الخصبة، والمناخ المعتدل، لذلك عمدت هذه المنظمة الى سن القوانين الموحدة وإقرار المشاريع المشتركة في مجال الزراعة والثروة السمكية.16
ولهذا تلجأ دول كالسعودية والإمارات الى الاستثمار في مساحات شاسعة خارج المنطقة كالأرجنتين (مزارع أعلاف شركة المراعي للمنتجات الغذائية) وهي شركة سعودية، واستثمار زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في مجال زراعة محصول زهرة الشمس في السودان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي17، ومحاولة منح الاستثمارات الزراعية في الصحراء الغربية للعراق الى جهات سعودية، المشروع الذي تدور حوله الكثير من الشكوك والمخاوف سواءً من الجانب الأمني الاستخباري (تسلل المجاميع الإرهابية) أو الأمن المائي (السيطرة على الضفة الغربية للفرات، واستنفاد المياه الجوفية القليلة أصلاً في هذه المنطقة الرسوبية بما تمثله من داعم لمنسوب مياه الفرات الشحيحة صيفاً، وبإمكانية حصول تخسفات في التربة في أراضي تلك المنطقة نتيجة انحسار الضغط بسحب هذه المياه، توطين أعداد كبيرة (بالآلاف) من العمالة المصرية في هذه المناطق لدعم هذه المشاريع على حساب ارتفاع مستوى البطالة في العراق، وتوطين ملايين الفلسطينيين المهجرين من الأرض الفلسطينية المحتلة وتشغيلهم في هذه المشاريع ضمن مشروع صفقة القرن).
تعاني دول مجلس التعاون الخليجي العربية من اختلالات في التركيبة السكانية تتمثل في تباين الكثافة السكانية بين دول المجلس والتي يمكن أن تسهم في تكامل الأيدي العاملة بين دول المجلس لكن الأزمة الحقيقية تتمثل في الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية، وفي دولة كالإمارات يمثل المواطنون الأصليون في البلاد النسبة الأقل بين السكان، ويؤثر ذلك أيضاً من ناحية زيادة عدد الذكور على الإناث في الفئة العمرية (25-24) بسبب العمالة الوافدة.
حسب إحصاء عام 2019 بلغ إجمالي عدد سكان دول المجلس حوالى 57.4 مليون نسمة بمتوسط زيادة سنوية تقدر بنحو 1.4 مليون نسمة لكل عام، وبمعدل نمو سكاني سنوي قدره 2.5%.
يتوزع السكان بواقع 59.7% في السعودية، و17% في الإمارات، و8.1% في عُمان، و7.8% في الكويت، و4.9% في قطر و2.6% في البحرين.18
يذكر أن عدد السكان في البحرين قد انخفض بمقدار 19 ألف نسمة بنسبة انخفاض 1.3% بين عامي 2018-2019 دوناً عن كل دول المجلس التي شهدت ارتفاعاً في عدد السكان19، ويمكن ترجيح السبب الرئيسي لهذا الانخفاض الى الممارسات التعسفية للنظام الحاكم في البحرين، والتي أدت الى فقدان الكثير من المواطنين البحرينيين حياتهم داخل السجون (ومن الجنسين) نتيجة التعذيب والإهمال، مما حدا بالكثير من المواطنين الى الهجرة (لا سيما الى أوروبا) للنجاة بحياتهم خصوصاً مع القوانين التعسفية بسحب الجنسية البحرينية من أبناء البلاد الأصليين ومنحها الى الوافدين لأسباب طائفية بحتة الغرض منها إجراء عملية تحول ديموغرافي في التركيبة السكانية للبحرين اعتماداً على الهوية الثقافية.
ورغم كل الاتفاقيات التعاونية المشتركة في شتى المجالات بين دول المجلس فإن حجم التبادل التجاري لا زال ضعيفاً مقارنةً بالاتحاد الأوروبي، خلال عشرة سنوات من تأسيس الاتحاد الجمركي 2003-2013 لم يرتفع حجم التبادل التجاري البيني أكثر من 24% 20 ويعلل الباحثون هذا المستوى المنخفض مقارنةً بحجم التبادل مع دول خارج منظومة المجلس بتشابه نمط الانتاج الخليجي –تشابه الصادرات- وتشابه الصناعات مما يولد التنافس غير المحمود وإغراق السوق بالبضائع المتشابهة وانعدام الجدوى الاقتصادية، وكذلك عدم وجود عملة موحدة.21
في عام 2019 بلغ حجم الصادرات السلعية البينية غير النفطية 32 مليار دولار أميركي، وإجمالي الصادرات النفطية البينية 18.6 مليار دولار أميركي، وإجمالي إعادة التصدير البينية 40.7 مليار دولار أميركي. 22
فيما بلغت قيمة التبادل التجاري السلعي لمجلس التعاون مع العالم الخارجي خلال العام 2017 995.5 مليار دولار أميركي، واحتلت اليابان المرتبة الأولى من ناحية إجمالي الصادرات السلعية بنسبة 13% عام 2017، فيما احتلت الصين المرتبة الأولى من ناحية الواردات السلعية عام 2017 بنسبة 18.1%.23
تعد دول الخليج هي الأكثر إنفاقاً على التسلّح بنسبة 2.7% من الدخل القومي العالمي حسب الكتاب السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وأنفقت 132 مليار دولار على أضخم برنامج للتسلح في أوقات السلم في التأريخ عبر طلبات شراء ضخمة خلال 15 سنة تحت شعار بناء الترسانة العسكرية وسباق التسلح الذي افترضت دول الخليج وتحت تأثير الضغوط الأميركية والغربية أنه يحقق لها التوازن مع التهديد المفترض المتمثل بالجمهورية الإسلامية في إيران، هذا الإنفاق ألقى بتبعاته على ميزانيات دول المجلس وأثقل كاهلها دون طائل، ودون تأسيس لصناعة عسكرية وطنية كما حصل في إيران التي خصصت عام 2015 ميزانية دفاع قدرها 6300000000 دولار فقط حسب موقع globalfirepower.com، وأعلنت خطتها لاستثمار 21 مليار دولار فقط في تسليح الجيش الإيراني.24
فشل مجلس التعاون الخليجي في أن يحتضن العراق، إيران، اليمن تحت مظلته وهي الدول التي يشترك معها بالجغرافيا والتأريخ والاقتصاد والدين واللغة والثقافة، وبدل أن يكون عامل تهدئة وتقريب لوجهات النظر خلال حرب الخليج الأولى 1980-1988 كانت دول الخليج عامل تصعيد في هذا النزاع، وموّلت السعودية والكويت –البلدان العضوان في مجلس التعاون- ودول عربية أخرى المجهود الحربي العراقي بشكل علني، وبدعم ضمني من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، في حين مثلت سوريا وليبيا حليفين رئيسيين لإيران في هذه الحرب؛ خلفت الحرب مليون الى مليوني ضحية بشرية، وخسائر هائلة تجاوزت 400 مليار دولار أميركي، وبلغت كلفة الحرب المباشرة 230 مليار دولار.25
من جانب آخر عجزت دول المجلس عن إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية سوى مبادرة الملك فهد للسلام 1981 التي مثلت تنازلاً عن حق الشعب الفلسطيني، واعترافاً بوجود دولة إسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة.26
وعجزت عن حل الأزمة الكويتية- العراقية التي انتهت بشكل مؤسف باحتلال صدام حسين للكويت، ومن ثم حرب الخليج الثانية 1991 التي انتهت بتدمير العراق واستقرار القوات الأميركية في قواعد الخليج بشكل مستمر مما حوّل المنطقة الى بؤرة توتر مستمرة.27
وجاءت حرب الخليج الثالثة 2003 لتنطلق موجة غزو العراق جواً وبراً وبحراً من القواعد الأميركية والبريطانية في أراضي دول مجلس التعاون وبتأييد مطلق، ولتستمر بتقديم الدعم لقوات الاحتلال الأميركي- البريطاني في العراق للفترة 2003-2011. 28
واستمرت فتاوى التكفيرالسعودية العابرة للحدود والإرهابيون السعوديون والمنتمون الى دول خليجية أخرى، والتمويل الخليجي والدعم اللوجستي بالمعدات والعجلات التي تحمل اللوحات السعودية بالتسرب عبر الحدود العراقية ليجد تنظيم القاعدة الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية الفرصة السانحة للتمدد في العراق خلال فترة الاحتلال 2003 -2011، ومن ثم تنظيم داعش 2014، ولا أدلّ على ذلك من وجود 5000 سعودي مدان بالإرهاب ومحكوم بالإعدام دون تنفيذ، في السجون العراقية، حسب الإحصاءات الرسمية.29
لم تتمكن منظمة محدودة الدول والسكان، أحادية الدين واللغة والثقافة والتأريخ، تتمتع بمستوى عالٍ من الرفاه الاقتصادي، وتأريخ طويل من السياسات الإقليمية الموحدة تقريباً إزاء أهم قضايا المنطقة؛ لم تتمكن من احتواء حتى خلافاتها الداخلية لا سيما الخلاف القطري- السعودي الذي يمتد لعقود بسبب الحدود، ومن ثم تمظهر عام 2017 بمقاطعة سعودية- إماراتية- بحرينية ومصرية أيضاً لقطر؛ حاولت الاستفادة من صعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الى سدة الرئاسة واتخاذه موقفاً صلباً بل ومتشنجاً من الجمهورية الإسلامية في إيران والدول الدائرة في فلكها، حيث كان الخط السياسي القطري المستقل نوعاً ما عن السعودية يوحي باصطفاف قطري مزمع –حينها- الى جانب إيران، لذلك غلّفت الدول المقاطِعة موقفها باتهام قطر بدعم الإرهاب30، إلا أن الدول المقاطِعة قررت التراجع خطوة الى الوراء وإعلان المصالحة مع قطر في قمة العُلا 2021 مع خسارة الرئيس ترامب الولاية الرئاسية الثانية مما يعني بقاء ظهرها مكشوفاً وحاجتها الى ترطيب الأجواء الإقليمية، وكذلك الخلاف السعودي- الإماراتي الذي تمظهر في أوبك حول تصدير النفط، إلا أن هذا الخلاف يعود الى تنافس لقيادة دول الخليج والتأثير في المنطقة والعالم العربي والإسلامي تمظهر حتى في سباق التسلح وجذب المستثمرين والمواهب الأجنبية، وتمتد جذوره كذلك الى التنافس في الساحة اليمنية حيث يقود البلدان تحالفاً ضد اليمن بحجة إعادة الشرعية لحكومة قدمت استقالتها بنفسها، إلا أن الأمر انتهى الى دعمهما لأطراف متصارعة في جنوب اليمن، مما حوَّلهما بالتالي الى منافسين بدل أن يكونا شريكين31. وإن التحالف السعودي- الإماراتي- الأميركي ضد اليمن يمثل لوحده ملفاً شائكاً حول ما يمكن أن يقدمه مجلس التعاون الخليجي للأشقاء والجيران والمنطقة.
ــــــ