الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

هناك جدليات قائمة وقادمة في استيضاح مسألة الحقيقة من الجانبين الاطلاقي والنسبي ، وقبل ذلك هناك تساؤل مطروح هل الإنسان متديناً منذ البداية ، أم إنّه مفكّراً قبل أن يكون متديناً ؟ ولعل السبب في هذا السؤال المطروح مرده إلى أن الدين لا يمكن إدراكه أو الاعتقاد به دون أن تنفتح الافاق الفكرية والذهنية للإنسان ليحدد وجهته الدينية بناءً على قناعاته المستندة على أدلة .
يقول الفيلسوف ( برتراند رسل ) : ” كل جواب يتحول إلى سؤال جديد ” ، وشخصياً أتفق معه في هذه الجزئية لجملة أسباب أهمها :
1ـ عدم اتفاق الفلاسفة على إجابة محددة للسؤال الواحد مما يعني تناسل الأسئلة والإبقاء على بابها مفتوحاً .
2ـ قلق الانسان الدائم وتحيّره في البحث عن الحقيقة مع عدم وجود أجوبة شافية تدعوه لطرح تساؤلات جديدة .
3ـ الجواب نفسه يحمل ويستبطن بداخله دلالات الغموض والفهومات المتعددة مع وجود التفاوت العقلي بين النخب والعامة ، مما يفضي لطرح سؤال جديد لاستيضاح هذا الجواب .
ولذلك نجد أن تعامل الدين مع الحقيقة يختلف عن تعامل الفلسفة معها ، فالأول ـ أي الدين ـ تعامل مع الحقيقة وفق رؤية وحيانية مقدسة ومطلقة ( مُنزلة من الأعلى ) ، أما الفلسفة فتعاملت مع الحقيقة وفق رؤية نسبية من انتاج الفكر البشري ( مرفوعة من الأسفل ) ، ولما كانت رؤية الفلاسفة تنطلق من مبدأ أن ( قيمة الفلسفة في أسئلتها التي لا تنتهي ) دفعت بالإنسان إلى الطلاق معها ، لأن الإنسان يبحث عن أجوبة نهائية تشفي غليله وتسكن نفسه وتهدأ روعه وتطمئن قلقه المتواصل.
ولذلك وجد ضالته الباحثة عن إرواء ضمأ أسئلته في الدين ، ليأخذ الحقيقة دون تردد وهو ما يبحث عنه ، وهذا ما يفسّر لنا استيلاء اليهودية والمسيحية على قلوب الناس وتسللها إلى أعماق الفكر الإنساني ، في قِبال دخول الفلسفة في خريفها ، فأصبحت الفلسفة منضوية تحت لواء الدين ، والكلام ينطبق على الفلسفة الإسلامية فإنها لم تتثبت في نفوس المسلمين إلا عن طريق الحقيقة الدينية وتقديمها في طبق على طاولة الفكر الإنساني كنسقية مترابطة للحقيقة بين الدين والفلسفة أو أنهما اختان في الرضاعة .
ولذلك بالرغم من المحاولات العديدة التي بذلها الفيلسوف ( ابن رشد ) في محاولة لعقد صلح بين الدين والفلسفة في مسألة الحقيقة لكنها لم تجدِ نفعاً ، فأبعد العقل عن الدين في الأخير وأصبح النقل هو الحاكم في هذه المسألة ، ولنا في رؤية ابن رشد أيضاً كلمة وهي أن الدين ليس عدواً للعقل بل داعية له ولا تدرك الأحكام إلا بالعقول ، والنقل الذي يتبناه ابن رشد هو نتاج العقل الإنساني ، ناهيك عن تشديد القرآن الكريم في ضرورة التفكر والنظر والتدبر العقلي في جزئيات الحياة أرضها وسمائها ، فلا يمكن مصادرة أو تعطيل العقل كما فعلته الكنيسة في العصور المظلمة .
ــــــــ