الخميس - 28 مارس 2024

مقومات وأساسات كتابة الموضوع…

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024

الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

يحتاج كل موضوع عندما نقدم على كتابته أدوات ومقومات عدّة ينبغي مراعاتها وعدم القفز فوقها لأن الإخلال بواحدة منها معناه إعطاء صورة مشوّهة غير كاملة تنعدم فيها الحقيقة ، وتضيع بين جنبات التقصير الالتزامي لكتابة النصوص ، ومن هذه المقومات والأساسات لكتابة الموضوع يجدر أن تكون هناك بُنية تؤخذ بنظر الاعتبار عند الكتابة و ( البُنية ) مفهوم يعني بوجود علاقات متنوعة ومتداخلة بين عناصر النص ومقاطعه ، بمعنى آخر وجود شبكة علاقات متبادلة بين عناصر النص ، وليس تتابع عشوائي اعتباطي لألفاظ وجُمل وقضايا وأفعال كلامية لا ربط بينها لتكتمل عندنا رؤية مفادها أن النص كل متكامل ومترابط ، إذ لا يمكن أن يكون هناك بُعد انعزالي او اغترابي بين عناصر النص إذا ما تشكّلت تلك الشبكة المتداخلة ، والأمر الثاني الذي نحتاجه هو ( الاتساق ) بمعنى أن تكون هناك صورة الترابط الموضوعي الذي يعالج النص فيه قضية معينة من خلال إيجاد روابط في وحدة الموضوع ـ وهو الأهم ـ لا تناقض بينها من خلال الانتقال غير المبرر من فكرة لأخرى ، إذ لا بد من السير الأفقي المتوازي مع أصل الموضوع دون الخروج المائل عن ذلك الخط ،
والأمر الثالث الذي يلزم في كتابة الموضوع هو ( الانسجام ) ونقصد به التماسك والالتحام على المستوى الشكلي عن طريق الروابط اللغوية المختلفة ، ولا ضير أن اختلفت الصور اللغوية بشرطية التماسك الموضوعي وانسجام المعنى ، كما ويُعدّ من الضروري أن يكون هناك تدرج مرحلي ـ تقسيمي وأن كان غير ظاهر للعيان بصورة طافحة ـ في الموضوع ، لأن هذا التدرج يجعل القارئ يحس ويستشعر أن للنص مساراً معيناً وأنه سائر نحو غاية محددة وخصوصاً عندما تختم بخاتمة التي تشكل خلاصة القول ، فأي موضوع بدون خاتمة يكون حتماً فاقداً لحصافته وتماسكه ، ولا عيب بل من اللائق العلمي أن يحتوي الموضوع على الإحالتين ( الداخلية والخارجية ) فأما الأولى هي الربط بين النص الداخلي الواحد ـ بُنية الموضوع المدروس ـ ليكون أحد أهم وسائل الاتساق الداخلي للنص ، أما الإحالة الخارجية فهي إحالة النص المكتوب على أشياء وموجودات خارج النص ـ الفضاء النصي الآخر ـ ليكون ضرورياً في إعطاء ورسم دلالات الانسجام والتماسك للموضوع للاستشهاد والتدليل عليه ، لا سيما وإن لا مفك من الإحالة في الكتابة لأن علّة الإحالة هي أن بعض النصوص لا تكتفي بذاتها في الدلالة إلا بالممازجة والاتساق المعنوي واللفظي مع نصوص أخرى ، بسبب القصور الكلامي للطبع البشري الذي يكمله بنصوص الإحالات ، ولا ننسى أن الدفة التي تقود ما ذكرناه من أساسات ومقومات كتابة الموضوع هي التأسيس المعرفي البنّاء للكاتب عندما يمتلك فكر وقّاد وعقل حاد.