الخميس - 28 مارس 2024

6/ الخطاب الديني في الفكر الغربي

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د. محمد أبو النواعير||

• كيف يؤثر الخطاب الديني في تكوّن أنماط المعرفة السوسيولوجية في مجتمعات المذاهب الإسلامية؟!

يقوم الفكر الغربي على اعتبار التجربة الدينية كمعطى ذاتي واجتماعي في نفس الوقت, فهي من ناحية تعتبر تجربة ذاتية يخوض فيها وعي الفرد إشباعا لجنبته الروحية والنفسية, ومن ناحية ثانية يعتبره كمعطى اجتماعي, تتأسس من خلاله أنساق إجتماعية وتتكون أنماط وعي مجتمعي, يترابط من خلاله الأفراد كوجودات اجتماعية, ويغذيها في الوقت نفسه بخطاب معرفي موحد نوعا ما, يخلق من خلاله مشتركات نفسية وجدانية وأخلاقية.
فالتجربة الدينية في الفكر الغربي, باعتبارها خطاباً يتحقَّق فيه الدين كواقع موضوعي ببعديه الاجتماعي والرمزي؛ هو معطى دفعه إلى أهميَّة بيان هذين البعدين من خلال النظر إليهما كلحظتين متداخلتين تميِّزان الخطاب الديني في عموميته. ولا بد من الإشارة، إلى أهميَّة الحديث عن الدور الذي لعبته فلسفة الدين كمقدمةٍ ضروريَّة ومنهجيَّة من دونها لا يمكن فهم طبيعة الانتقال في التعاطي مع الدين، من التفكير فيه كجوهرٍ إلى تناوله كظاهرةٍ، ومن الانشغال بمحاولة تعريفه إلى النّظر إليه كبُنَى وآليَّة من آليات إنتاج المعنى, خاصة بعد أن أصبح الصراع على آليات إنتاج المعنى أحد المؤشرات الدالة على معالم الأزمة داخل الخطاب الديني”.
وتدرس “مشكلات الخطاب الديني” إمكانية الحديث عن الله بشكل له معني إذا كانت المفاهيم التقليدية المتعلقة بأن الله كيان معنوي، مطلق، وأبدي مُسلم بها. ولأن المفاهيم التقليدية عن الله جعلت من الصعب وصفه في ادبيات الفلسفة الغربية المعاصرة، بذلك فمن الجائز أن تصبح لغة الخطاب الديني بلا معنى عندهم. ولقد حاولت النظريات المتعلقة بالخطاب الديني إما إثبات أن هذا الخطاب بلا معنى, أو إيضاح أن الخطاب الديني على الرغم من كونه مُعضل فهو ذو معنى.
لقد تم تفسير الخطاب الديني بشكل تقليدي على أنه إنكاري، تناظري، وأسطوري، وكل هذه الصفات تمثل طريقة للحديث عن الله بمصطلحات تخص الإنسان. فالإنكار هي طريقة للإشارة إلى الله بما ليس فيه. وأما التناظرية ففيها تستخدم الصفات الإنسانية كمعايير لمقارنة الصفات الإلهية. والرمزية تستخدم هنا بشكل غير حرفي لوصف خبرات لا توصف. وقد نظر الفكر السوسيولوجي الغربي إلى جوانب الإعجاز في السرديات الدينية على أنها ولتفسير الخرافي للدين يحاول كشف حقائق رئيسة خلف القصص الدينية. وتصيغ التفسيرات البديلة للخطاب الديني على أنه له وظائف سياسية، إلزامية، ووظائف خاصة بالأداء.
ولقد قدم تناظر ألعاب اللغة، وهو متعلق غالبًا بلودفيغ فتغنشتاين، طريقة لإيجاد المعنى في الخطاب الديني. تؤكد هذه النظرية أن اللغة لابد وأن تُفهم من خلال لعبة: وكما أنه لكل لعبة قواعد تحدد ما يمكن وما لايمكن عمله، فلكل سياق لغوي قواعده الخاصة التي تحدد ما له وما ليس له معنى. ويُصنف الدين على أنه لعبة لغوية ممكنة ومُباحة ولها معنى من خلال سياقها الخاص.
وقد أعتبر الخطاب الديني من ناحية أخرى كمشكلة فلسفية تنبع من صعوبة وصف الله بدقة. ولأن الله يُرى بشكل عام على أنه كيان معنوي، مُطلق، وأبدي، فإن اللغة العادية لايمكن دائمًا أن تنطبق عليه. مما سبب مشكلة في الاعتقاد الديني، حيث إن القدرة على وصف الله والحديث عنه أمر بالغ الأهمية في الحياة الدينية. ولقد عبرت سيمون ويل عن هذه المشكلة في كتابها “في انتظار الله”. ففي هذا الكتاب وصفت مشكلتها؛ حيث إنها كانت على يقين بحب الله وكانت في نفس الوقت على دراية بأنها لاتستطيع وصفه بشكل ملائم.
وترى عالمة اللاهوت سالي ماك فوج أن المشكلات الحديثة المتعلقة بالخطاب الديني قائمة على تجارب فردية وذلك بسبب زيادة العلمانية في المجتمع. ولقد لاحظت أن تجارب الإنسان هي تجارب دنيوية بدلًا من كونها تجارب إلهيه، مما يجعل الشعور بوجود الله أمر غير شائع وربما غير ضروري. ولذلك فقد قالت أن الخطاب الديني هو خطاب وثني؛ لانه فشل في التعبير عن الخضوع لله وهو أيضًا غير مرتبط بالسياق؛ لأن الخطاب الديني يصبح بلا معنى عند اختيار الكلمات غير المناسبة.

*د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة
ــــــــــــــــ