الجمعة - 29 مارس 2024

عندما يبتلع الدب الروسي بعبع الناتو !؟

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


عمر الناصر *||

بالمقارنة الواقعية بين الاشياء اقول، لا يمكن ان يتحول الاديب الى طبيب،ولا يمكن ان تتحول الذئاب المفترسة الى حيوانات داجنة، واحيانا اخرى قد نصف الاشياء بأوصاف رائعة عندما لا نراها عن قرب بالضبط عندما نرى القمر يضيئ ليلاً، لكنه في الحقيقة عبارة عن ارض جرداء لاحياة عليها ، كذلك الحال عندما تقوم بعض الدول بمحاولة تلميع صورتها امام العالم بإستخدام الاعلام متناسية حقيقة ازلية اثبتها التاريخ بصورة لا تقبل الشك مثبتة بالحوادث والارقام، كما من يحاول ان ينمق وجه الحقيقة بمراجعة صفحات التاريخ، وتذكر المجازر التي وقعت ابتداءاً من تمكن الروس من احتلال بلاد القوقاز بعد معاهدة بلغراد عام ١١٥٢ للهجرة وقيامهم باتّباع سياسة “الارض المحروقة”،فتم إحراق مدينة غروزني بأكملها، او الحادث الذي وقع في ٧ نيسان ١٩٩٥ في قرية ساماشكي على الحدود بين الشيشان وانغوشيا، والتي مات فيها العديد من القرويين على أيدي القوات شبه العسكرية الروسية.
كل ذلك يعيد بنا الذاكرة لربط بعض احداث الماضي بما يعيش العالم اليوم ، لان هنالك بوادر كارثة انسانية بدأت تلوح في الافق، مرتبطة ارتباطاً مباشراً بارتفاع درجة حرارة التصعيد في شرق اوروبا، كأنها عملية احماء ونزول تدريجي لملعب الحرب الكونية الثالثة ، التي ستعرّي الدول المتقدمة علمياً وثقافياً وحضارياً، وتظهر الوجه الحقيقي لبدعة ثقافة نبذ العنف واشاعة مبدأ الحوار والديموقراطية الكاذبة ، وعلى ما اعتقد بأنه بداية لانكفاء غربي بعد فترة سبات طويلة من رفع شعار اشنقنوا اخر ملك بأمعاء اخر قسيس .
لازالت افرازات الحرب الباردة عام ١٩٤٧ وتأثير اعلان مبدأ ترومان وحتى انتهاء الحرب الكورية، تأخذنا كل يوم لمعرفة حقائق واسرار جديدة، وسيجد من يطلع على سير الاحداث الاخيرة ،ان هنالك خوف ووجل واضحين، وتراجع وصمت مطبق لدور بعض تلك الدول من الازمة الروسية الاوكرانية، لا سيما ان اغلب تصريحاتهم تكاد تكون خجولة وتسعى للنأي بالنفس بعض الاحيان ، وما تصريح اوكرانيا الاخير ومناشدتها اوروبا بعدم التخلي عنها، وان لا تدير ظهرها لأوكرانيا في هذه المرحلة الا دليل دامغ على ان بعض الدول المنتمية لحلف الناتو ستقف على الحياد من هذه الحرب، بالرغم من توقيعها والتزامها بشروط الحلف.
ستبلع اوروبا المسيحية الصفعة الشيوعية الروسية على مضض ليس من باب ايمانها بتعاليم المسيح، من ضربك على خدك فأعرض له الأخر ، ومن اخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ، وانما من باب مجبراً اخاك لا بطل، على اعتبار ان اقتصاد اوروبا واهمها المانيا يعتمد اعتماداً كلياً على النفط والغاز الروسي ، الذي لايمكن لاي دولة اخرى في العالم ان تعوض النقص الذي قد يحصل اذا ما اغلقت روسيا الصنبور على القارة العجوز.
في جميع الازمات التي تحدث بين الدول توجد هنالك اسباب معلنة والاخرى خفية لا يمكن الافصاح عنها للرأي العام، ولكن احداها تلك التي تستحق الوقوف عندها هي انبوب الغاز نورد ستريم ١ الذي يذهب الى غرب اوروبا ، واتهام روسيا لاوكرانياً بسرقة جزء منه وقت مروره بتلك الاراضي، مما اضطر روسيا الى مد انبوب غاز اخر “نورد ستريم ٢” المتجه الى المانياً، الذي الذي تبلغ قدرة نقله ٥٥ مليار متر مكعب من الغاز في السنة الواحدة ، على مسافة ١٢٣٠ كيلومتراً يمر من تحت مياه بحر البلطيق ، وهو الطريق نفسه الذي يمتد عليه مشروع “نورد ستريم 1” الذي وضع في الخدمة منذ العام ٢٠١٢.
اعتراف روسيا بجمهورية لوغانسك ودونتسك ماهو الا تحرك استباقي لها لقطع الطريق امام تدخل الناتو في تلك الدول، ولصناعة رأي عام عالمي بأن الحرب ليست اوكرانية روسية فحسب، مما اثار حفيظة الدول التي تقف بالضد من ذلك القرار على اعتبار بأن دخول بوتين في دونباس سيغير النظام العالمي بالكامل كما اشار الرئيس الصربي.
وأغلب اظن سيترك الناتو اوكرانيا تواجه مصيرها لوحدها وستكتفي الدول الاوروبية بالاعراب عن القلق والادانة والتصريحات الفارغة والجوفاء لحفظ ماء الوجه ، لانها لن تكون قادرة على رفع صوتها والتصويت على اتخاذ قرار اي رد عسكري كما فعلوا مع العراق في قرار غزو الكويت، لانهم سينقسمون على انفسهم هذه المرة وسيدفع الكثير منهم بأتجاه المفاوضات والرد بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو ، على اعتبار ان المغذي الاول والرئيسي للطاقة في اوروبا يعتمد بالدرجة الاساس على النفط والغاز والفحم الروسي، ليكون انذاك الاقتصاد والصناعة الاوروبية تحت رحمة النيران الروسية ، وما مناشدة اوكرانيا لاوروبا بأن لاتدير ظهرها لاوكرانيا على اعتبارها جزء من اوروبا ، الا دليل اخر على ان كييف بدأت تشعر بالحرج لانها ربما قد تواجه الموقف لوحدها، ناهيك عن تصريح بريطانيا بأنها ستبدأ بفرض عقوبات على روسيا الذي يثبت صحة ما ذكرته اعلاه .
اغلاق خط الغاز النورد ستريم اضر بالمانيا وبقية الدول الاوربية المعتمدة على الغاز الروسي، وبذات الوقت فأنه لايمكن لاي دولة من دول انتاج وتصدير الغاز في العالم ان تعوّض نقص الكميات التي تصدرها روسيا ، اذاً فأن المتضرر الوحيد من قيام حرب هي الدول الاوروبية المشتركة بحلف الناتو ، وما ذكره وزير الاقتصاد الالماني روبرت هابيك بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ، بأنه حان الوقت للتفكير بشراء الغاز والفحم من دول أخرى بديلة لتغذية المانيا.

انتهى …

خارج النص || صمت الصين الشيوعية من قضية اوكرانيا هو لتجنب ابتلاع الطعم الامريكي .

*كاتب وباحث سياسي
ـــــــ