السبت - 20 ابريل 2024
منذ سنتين
السبت - 20 ابريل 2024


ا.د. جهاد كاظم العكيلي ||

من المعروف أن العراق دولة ذات حضارة وتأريخ، وهذا ما يُعد مَبعث فخر للعراقيين، الذين لطالما يرددون على ألسنتهم، هذا الفخر بِحضارتهم حين يتحدثون عن تأريخ بلدهم هذا ..
وما ذلك الترديد إلا نوع من أنواع التمجيد، لكن يا ترى، ماذا بقى للعراقيين من تأريخهم وحضارتهم وحتى تمجيدهم هذا، الذي كان في يوم ما يطفو بريقه عموم خارطة الوطن لِيعم أرجاء المعمورة برمتها! ..
يقينا أن هذا البريق كان قد أفل وتراجع بسبب جملة من الممنوعات التي تم غرسها بنفوس العراقيين عنوة وسبى عبر الأزمان البعيدة منها والقريبة، وصارت تستوطن عقولهم بعد إن أصبح السؤال الممنوع مُلتصق بالإنسان وعزله قسرا وقهرا كي لا يفكر أو يسأل أو يُطلق صوته عاليا لغرض الإرتقاء بحضارته وتأريخه وفق متطلبات العصر الحاضر، حيث أصبحت الأمم والشعوب، حتى تلك الدول التي لا تمتلك تأريخا حضاريا ثرا، تتنافس نحو تحقيق الغايات الإنسانية السامية لصناعة حياة مزدهرة تضفي عليها الأمن والسلام والوئام بخلاف ما يحصل في العراق وهو البلد الثر في كل شيئ ..
فمنذ أكثر من قرن والعراق يأن من وجع سوط سلاطين السلطة وإستغلالهم لسطوتهم وقوتهم لمصادرة وجود الانسان من خلال تعطيل تفكيره وعطاءه الإنساني، تحت شعارات كثيرة تسببت بأدلجت أفكاره بجملة من الممنوعات تطول القائمة بذكرها، فتجد الإنسان العراقي حتى في نطاق الأسرة عليه أن لا يفكر، ذلك أن الممنوعات تملئ سمعه حتى قبل أن يبدأ بنطق كلمة واحدة، أما على مستوى المجتمع الذي يقوده أقوياء النفوذ والسطوة، فما على العراقي إلا أن يعيش تحت رغبات هؤلاء أو أن يلجأ للعيش في ظل سلطة رئيس القبلية وتحزباتها، حتى صارت القبيلة هي الأخرى ترفع شعارات كالتي ترفعها أحزاب السلطة ومنها الإجابة عن السؤال الممنوع تحت شعار هو الأوحد: نفذ ولا تناقش ..
وفي هذا السياق إخرَّسَ الكثير من أبناء شعبنا بسبب تلك الشعارات التي جرت البلاد إلى ويلات الحروب والدمار والقتل المُنظم وأكلت الأخضر واليابس، كل ذلك نزولا عند رغبات فئات قليلة بعد أن هيمنت على أغلبية الشعب، فمنذ تأسيس الدولة العراقية كان السؤال ممنوعا بل مُحرما على الشعب، لأن هذه الفئات كانت تخشى من أن يُفكر العراقي بإيجاد طريقة ما للتخلص منها، كما إنها تدرك جيدا من أن سؤال عامة الناس المغلوب على أمرهم يوجع هيمنتها ويقض مضاجع سلطتها، ولذلك فالسؤال ممنوع ومحرم مع سبق الإصرار والترصد ..
من هنا صار الكل يتهرب من هذا الممنوع المُخيف الفاضح والكاشف عن الأمور وخباياها، فهذا السؤال يجعلك أن تتعلم ويدفعك أن تخرج عن الأطر الجامدة التي أدت إلى فشل الدولة، وبددت ثرواتها، لذلك تجد السياسي السلطوي يُعاقبك على سؤالك حين تسأله: من أين لكَ هذا؟ .. فيما مؤسسات الدولة تمنعك هي الأخرى من التفكير لتهمش دورك في العمل عندما يكون تفكيرك هو الأحسن والأفضل، والمدرس أو المعلم مثلا يرفع شعار التعليم، لكن لا يريدونك أن تفكر وتسأل، وأصحاب المهن يريدون منك أن تعمل لديهم وحسب مثل آلة، لكن لا يحق لكَ أن تسأل أو تفكر، وحين يستشعرون أن عقلك ميال للتفكير والسؤال يضعون الحجر أمامك لتسير وفق الطرق والأهواء التي يضعونها لكَ وبالتالي تدمير عقلك ..
وشواهد الأمس واليوم على ذلك كم هي كثيرة، فحين يسأل هذا الإنسان أو ذاك على سبيل المثال، عن آثار بلده التي تشكل رمزا مُهما من رموز تأريخه وحضارته القديمة، أو عن كنوز بلده المودوعة في متاحف العالم، وعن خيرات موارده التي لم تتم الإستفادة من عائداتها المالية للإعمار والبناء والتنمية وتطوير البنى التحتية لصناعة بلد مُتحضر ينعم بالأمن والسلام؟ ستجد أن هذا الإنسان المتسائل قد تم تغييب دوره الإنساني والحضاري تماما، والهدف طبعا تحويله إلى رعايا آخرين لا يجب عليهم أن يسألوا، وما عليه وعليهم إلا إن يقبلوا بأن يكونوا كالآلة تسيرها ممنوعات الدولة وسلطتها ..
ــــــــــ