الخميس - 28 مارس 2024

المحكمة الاتحادية العليا في العراق تسترجعُ السلطة من الاحزاب وتُعيدها الى الشعب

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د. جواد الهنداوي *||

للقانون و للقضاء وظيفتان مُتكاملتان ؛ الاولى تنفيذيّة أجرائيّة و تتلخص في تعريف وتنظيم وتقنين علاقات الانسان بأخيه وبالمجتمع وبالدولة ، كذلك علاقاته بممتلكاته وبامواله و بأحواله وحتى في اعضاء جسمه . والوظيفة الثانية ،اخلاقية ،معنوية بنيويّة ، وهي تحقيق العدالة . وبالعدل يستقيم الانسان والمجتمع وتُبنى الدولة . قال تعالى في سورة الاعراف ” ومِمَّنْ خَلقنا أمةٌ يهدونَ بالحقِّ وبه يَعدلْون “. ايّ ، حسبَ ابن كثير ، ومن الامن أمّة قائمة بالحق قولاً وعملاً يهدون بالحق يقولونه ويدعون اليه وبه يعملون ويقضون .
مجلس النواب وبأسم الشعب يسّن القانون ، و القضاة يراقبون ويحكمون ،عند الضرورة بشرعيّة القانون ،كما انهم يراقبون تطبيق القانون ، ويجتمعون للحكم وللقضاء في صحة تطبيق القانون .
بدأت ، والحمد لله ، المحكمة الاتحادية العليا في العراق ، بتطبيق ما مطلوب منها امام الله ( س وت ) و امام الشعب ، وبداية البداية موفّقة جداً و مُبشّرة بالأمل ،حيث مطلبْ العدالة و مطلب استعادة السلطة من الاحزاب و اعادتها الى مصدرها ، الا وهو الشعب .
بدأت المحكمة الاتحادية العليا ” بمسار ” ،انتظرناه طويلاً، وتاجر البعض به كثيراً ، هو مسار التصحيح السياسي و اصلاح المواطن والمجتمع والدولة .
حلّت المحكمة الاتحادية محلْ سلطة تشريعية و سلطة تنفيذية ، مُكبّلتان في عملهما ،ليس بمصلحة الشعب ، و انما بالتراضي في توزيع غنائم ممارسة السلطة وبالتغاضي عن المساوئ والاستبداد في ممارسة السلطة وتطبيق القانون .
القرارت الاخيرة للمحكمة الاتحادية ، والتي تناولت تفسير وتطبيق بنود دستورية ،بقيتْ ومنذ الاستفتاء على الدستور وتبنيه وسيلة للاحزاب في ممارستهم للسلطة بما لايخدم الشعب و بما لا يحقق العدالة و بما يخالف الحق و الضمير ، ويقود الى تدمير ما تبقى من الدولة .
القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحاديّة يُعبّر عن جوهر وصلب عملها ، هي المسؤولة عن سلامة وصحة تطبيق البنود الدستورية و القانونية ، هي المُعّول عليها في قول الحق والحفاظ على مصلحة الشعب ، و المبادرة بشكل مباشر او غير مباشر ( من خلال قضاة المحاكم و الادعاء العام والمواطن ) على رصد الانتهاكات ومعالجتها وبالسرعة المطلوبة .
القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحادية شكّلت وستكون للمستقبل ” قوة ردع ” لصّد التجاوزات التي تُقدِم عليها ( بأرادة الفساد او بالخطأ غير المقصود ) سلطة مجلس النواب ، والتي هي بالحقيقة سلطة احزاب ،والسلطة التنفيذية ، والتي هي ايضاً مرآة لسلطة الاحزاب .
عمل المحكمة الاتحادية اليوم ليس فقط تصحيح للمسار السياسي و انما ايضاً بداية لبناء قضاء نزيه غير مُسيّس وغير مُرتشي . وادعوا قضاة المحكمة الاتحاديّة بممارسة دورهم المعنوي ،بأعتبارهم ” قضاة القضاء ” ، على مراقبة أداء القضاء ازاء دعاوي الابتزاز و الرشوة ، و اعتبار مثل هذه الدعاوي ،المرفوعة ضَد موظف دولة او نائب ،ذات طابع سياسي وسيادي وتمسّ مصلحة الدولة والشعب ، وتخالف القوانين والدستور .
أملنا في المحكمة ان تكون عين راصدة للمخالفات القانونية في التعيينات ،والتي تخالف مبدأ تكافئ الفرص ( وهو مبدأ دستوري و اساس لمبدأ المساواة امام القانون ) ، وأحياناً تعيينات تخالف بنود قانونية منصوصٌ عليها في القانون العام او في قانون خاص بالوظيفة .
المحكمة الاتحادية العليا ،بقراراتها الاخيرة ، تُعيد ثقة الشعب بالدولة وتُعيد مكانة الدولة ، و تحمي ديمقراطية النظام السياسي وتنظفّه من ديدان الفوضى والمحسوبية و الانتهازية و استغلال السلطة .
سلطة القضاء هي سلطة غير سياسية ومستقّلة ،خلاف السلطة التشريعة ، والتي هي سلطة الاحزاب ،والسلطة التنفيذية ، والتي هي المرآة العاكسة لسلطة الاحزاب ، و لذلك نصّت اغلب دساتير الدول على ان يكون رئيس المحكمة الاتحادية العليا او رئيس مجلس القضاء هو مَنْ يتولى رئاسة الجمهورية عند شغور او فراغ المنصب ، وليس مثل ما نصَّ عليه دستورنا الاتحادي في المادة ٧٥ ( انظر في ذلك مقالنا الموسوم ؛ المحكمةالاتحادية وضرورة تصحيح النص الدستوري الخاص بفصل السلطات
، في ٢٠٢٢/٢/١٦ ).

* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل .