الخميس - 28 مارس 2024

الرياضة العراقية ضحية الاجندات السياسية..!

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


عادل الجبوري ||

كما ان الاقتصاد والاعلام والثقافة والتجارة والامن، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة بأطارها الشامل الواسع، فأن الرياضة لاتخرج عن هذه القاعدة، ويحدثنا التأريخ البعيد والقريب بكمّ كبير من القرارات الرياضية التي اتخذت انطلاقا من مواقف وحسابات وظروف سياسية معينة، كما هو الحال، حينما قاطعت الولايات المتحدة الاميركية دورة موسكو للالعاب الاولمبية الصيفية في عام 1980، ليرد الاتحاد السوفياتي السابق بالمثل بعد اربعة اعوام وذلك بمقاطعته دورة لوس انجلس للالعاب الاولمبية في عام 1984، وكان ذلك في خضم تصاعد وتائر الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
وفي مطلع شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي، اعلنت الولايات المتحدة الاميركية مقاطعتها لدورة الالعاب الاولمبية الشتوية المقرر اقامتها هذا العام في الصين، بذريعة استمرار الاخيرة بانتهاك حقوق الانسان.
وبعد غزوها لاوكرانيا، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، حرمان روسيا من استكمال مبارياتها المؤهلة لبطولة كأس العالم المزمع اقامتها اواخر العام الجاري في دولة قطر، وقد تطول القائمة اذا اردنا ان نوثق كل الامثلة والنماذج في هذا السياق.
والقرار الاخير للاتحادين الدولي والاسيوي لكرة القدم، بعدم السماح للعراق باللعب على ارضه في اطار تصفيات كأس العالم، ونقل مباراته مع الامارات الى ارض محايدة-الاردن-بعدما كان الاتحادين اعتبرا في وقت سابق قريب، ان العراق بات مؤهلا من النواحي الامنية والفنية واللوجيستية المختلفة، لاستضافة الفرق الاخرى في ملاعبه.
هذا القرار يحمل بين طياته ابعادا ودوافع وخلفيات سياسية واضحة. وهو جزء من التعاطي السياسي الصرف للجهات الرياضية الدولية والاسيوية والخليجية مع الملف الرياضي العراقي تحت حجج وذرائع واهية وغير مقنعة.
حجة الاتحادين الدولي والاسيوي هذه المرة، تمثلت في ان العراق لايتمتع بالامان الكافي، بعد تعرض مدينة اربيل الكردية لقصف صاروخي من قبل الحرس الثوري الايراني، استهدف مقرا تابعا لجهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد)، بحسب ما ذكرت ذلك طهران، وما تداولته بعض الاوساط والمحافل السياسية والامنية ووسائل الاعلام الاسرائيلية.
ومن خلال وقفة قصيرة ونظرة عامة على مجمل المشهد العام، نجد ان حجة اصحاب القرار الرياضي الدولي والاسيوي، ليس لها ان تصمد امام الكثير من الوقائع والاحداث والمعطيات والارقام، التي من شأنها ان تكشف وتثبت طبيعة وحقيقة الاجندات السياسية للقرارات الرياضية.
ولعل اول تساؤل يمكن ان يتبادر الى الاذهان هو، لماذا لم يتم منع دول اخرى تعرضت وتتعرض بأستمرار لعمليات قصف جوي وصاروخي، من لعب فرقها الرياضية على اراضيها، مثل المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، ومن لايتذكر ما تعرضت له ابو ظبي في الشهور القلائل الماضية، من ضربات قاصمة من قبل حركة انصار الله اليمنية(الحوثيين)، وما تعرضت له المنشات النفطية والعسكرية السعودية كذلك.. لماذا يحرم العراق من اقامة مبارياته على ارضه لمجرد ان احدى مدنه تعرضت لقصف جوي، بينما لم يطبق ذات الاجراء على السعودية والامارات، وربما دولا اخرى غيرهما؟.
والنقطة الاخرى في هذا السياق، هي انه اذا كانت اربيل قد شهدت اوضاعا امنية استثنائية، فهذا لاينسحب الى مدن اخرى، مثل البصرة وبغداد وكربلاء، علما ان (الفيفا)، قرر في عام 2016 رفع الحظر جزئيا عن الملاعب العراقية، اذ سمح بأاقامة المباريات الدولية على ملاعب اربيل والبصرة وكربلاء، ولم يسمح بذلك في بغداد، بسبب ظروفها الامنية غير المستقرة.، وهنا يكون الاتحاد الدولي لكرة القدم قد ناقض نفسه، حينما قرر بصورة مفاجئة نقل مباراة العراق والامارات التي كان مقررا اقامتها في ملعب المدينة الدولي في العاصمة بغداد، الى ملعب محايد في العاصمة الاردنيةعمّان، لان بغداد لم تتأثر بما تعرضت له اربيل.
والملفت في الامر، انه بعد اقل من ثلاثة اسابيع على قرار (الفيفا) بالسماح له باللعب على ارضه، وقيام الاتحاد العراقي لكرة القدم بأنجاز كل متطلبات اقامة مباراة العراق والامارات على ملعب المدينة الدولي، تفاجأ ومعه الجماهير العراقية، بقرار جديد للفيفا بنقل المباراة الى الاردن.
وكان وزير الشباب والرياضة ورئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال، قد صرح بعد قرار رفع الحظر، “ان موافقة الفيفا جاءت بعد الجهود التي بذلت من قبل الاتحاد ووزارة الشباب والرياضة، والتحركات الإيجابية والنجاح الباهر في تنظيم المباريات الدولية التي أقيمت ببغداد في الفترة الأخيرة، وان نجاح الاتحاد بالحصول على قرار رفع الحظر جاء بدعم مباشر من السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي إضافة إلى دعم وإسناد الاتحاد الآسيوي والاتحادات العربية ورئيس اتحاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذلك الدور البارز للجماهير الرياضية التي عكست الصورة الحضارية في المباريات الدولية الودية التي أقيمت في البصرة وكربلاء وأربيل”.
وكانت الملاعب العراقية في بغداد والبصرة واربيل وكربلاء، قد احتظنت عدة مباريات ودية، فضلا عن استضافة ملعب المدينة الدولي ببغداد نهائي بطولة غرب اسيا، التي اقيمت مطلع شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي بين منتخبي العراق ولبنان، اذ مثلت تلك الخطوة مؤشرا عمليا واضحا على ان كل الظروف والاوضاع مهيأة للعراق ليستعيد حضوره ودوره الرياضي على ملاعبه بعد ثلاثة عقود من العزلة والحصار، جراء غزو نظام صدام لدولة الكويت في عام 1990.
ويبدو ان قرار الفيفا الاخير، جاء بفعل ضغوطات من اطراف عربية، وتحديدا من دولة الامارات، حيث انه وبعد اصرار العراق على معرفة الاسباب الحقيقية وراء قرار الفيفا المفاجيء وغير المبرر، اكد الاخير في رده، بأن الامارات هي من طلبت والحت في الطلب على نقل مباراتها مع العراق الى مكان اخر. ولايستبعد ان تكون هي ذاتها من تتحرك وتحشد الاتحادات الخليجية الاخرى، لنقل بطولة خليجي 25 المقررة مطلع العام المقبل، من مدينة البصرة الى الكويت، بعد ان تأجلت لبعض الوقت، بحجة عدم استكمال الامور الفنية واللوجيستية المتعلقة بالبطولة.
وكان من الطبيعي جدا ان يقابل قرار الاتحادين الدولي والاسيوي لكرة القدم بنقل مباراة العراق والامارات الى ملعب محايد، بردود فعل غاضبة من قبل الجماهير العراقية، معتبرة ان وراء ذلك القرار دوافع وحسابات سياسية، واصفة اياه بالقرار الظالم الذي يندرج في اطار محاولات مواصلة عزل العراق وتشويه صورة الحياة فيه.
واكثر من ذلك انطلقت دعوات كثيرة الى مقاطعة التصفيات والانسحاب وعدم اكمال ما تبقى من المباريات، ولاشك ان هذا هو الموقف المناسب والصحيح فيما لو اصر الفيفا والاتحاد الاسيوي على قرارهما، وبقيت الاجندات والحسابات السياسية هي التي تحكم وتتحكم بالمواقف الرياضية لبعض الاطراف العربية التي لاتريد خيرا للعراق.