الخميس - 28 مارس 2024

بين العلم، والمعرفة، وملازمة العمل

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


عباس محمد السالم ||

لقد عرف المناطقة العلم بأنه: “انطباع صورة الشيء في الذهن”، كما قيل: ان العلم هو مُدركٌ المركبات والكليات، وكذلك هو مجمل ومفصل، وهو الادراك التصديقي، لان استناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود أمر معلوم بالضرورة.
اما المعرفة يمكن ان نُعرفها:”هي تطبيق صورة الشيء المنطبعة في الذهن على مخزون الفرد من العلم”، وكما قيل:”هي إدراك وفهم الحقائق عن طريق العقل”، وهي أخص من العلم لأنها علم بعين الشئ مفصلا عما سواه. ويكون فيها إدراك البسائط والجزئيات. وعرفوها أيضا بالادراك التصوري.
وكما ذكر بعض الباحثين، ان هنالك مائز اخر بينهما، هي الجنبه الشهودية، حيث ان العلم مصدره الفكر، بينما المعرفة مصدرها القلب.
بعد إطلاعنا على التعريفات، التي ذُكرت للعلم والمعرفة، والتي تعرفنا بشكل اجمالي على ماهيتهما، والان لابد لنا ان نتعرف على امكانية ملازمتهما للعمل من عدمه، ونقصد بالملازمة هي إمكانية فصلهما عن العمل، و لا نقصد عدم انسجامهم.
فالعلم وحسب هذه التعريفات، لا نجد بالضرورة، أن يكون هنالك ملازمة عملية، ودافع حركي، بين العلم والعمل، فالعمل يمكن أن نجده متوفرا، وحاصلا، في العلم، لكن لايمكن ان نراهُ ملازما له بالضرورة يعني – لايمكن افتراقه عنه -، لا بل يمكن ان يفترقان.
لو نظرنا جيدا لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام):”علم بلا عمل كشجر بلا ثمر”، نجد ما يؤيد ذلك، بعدم الملازمة بين العلم والعمل، فنفهم من قوله (عليه السلام)، إمكان ان يكون هنالك علم بدون عمل، لكنه لا يمكن ان يكون مثمرا، فثمرته بالعمل به، يعني يمكن حصول العلم بدون العمل.
أما المعرفة؛ نجد ان هنالك ترابط ،و تلاحم، وثيق بينها بين والعمل، فهناك ترابطا ذاتيا، و تلائما عضويا، بينهما، فمن مقومات المعرفة، وذاتياتها، يكون العمل، ولا وجود لهوية المعرفة من دون العمل، فتلازم العمل للمعرفة يكون بالضرورة.
فلو نظرنا الى روايات أهل البيت (عليهم السلام)، نقرأ رواية الإمام الصادق (عليه السلام):” لا يقبل الله عملا إلآ بمعرفة، ولا معرفة إلآ بعمل، فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له، ان الايمان بعضه من بعض”.
فتركيز اهل البيت (عليهم السلام) على المعرفة، لإدراكهم ملازمتها للعمل، (فمن لم يعمل فلا معرفة له).
كما ان المعرفة نجاة من الظلال، كما جاء في الدعاء المروي عن مولانا الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) المسمى بدعاء زمن الغيبة”اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي”.
فالامام (عليه السلام) لم يقل علمني نفسك، بل قال عرفني نفسك، لما يوجب ذلك من تفضيل المعرفة على العلم، لما فيها من سبيل الهداية، والنجاة من الظلال،” إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي”.
لذا فإن الله تعالى، إذا أراد ان يُعرف عبدا به، فقد عَرَف بتَعرفه إليه، فيحدث للعبد بعد ذلك علما، فيكون أدرك علمه بالله، جاء عن طريق المعرفة، التي مَنَّ الله تعالى بها عليه، فيقوم العقل بعد ذلك، بالعلم الذي أحدثه، عن طريق المعرفة فيه.