الخميس - 28 مارس 2024

رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية (9)

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


نبيل صافية ||

كنت في الجزء الثّامن من البحث أمام لحديث عن الفقرتين الخامسة والثّامنة بعد دمجهما من القسم الخاص المتعلّق بعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، وهما تشيران إلى ” تعديل قانون الانتخابات المعمول به حاليّاً الذي يعطي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة ، وكذا الحال في تغيير حجم الدّوائر الانتخابيّة وطريقة الاقتراع والتّصويت .. وأيضاً بما ينسجم والحالة المستقبليّة وفق الفيدراليّة واللامركزيّة أو عدم الفيدراليّة ” و ” تعديل آلية العمل في ” مجلس الشّعب ” ليكون قادراً على المحاسبة الحقيقيّة للحكومة ” ، وهذا في ضوء مشروع الإصلاح الإداريّ والسّياسيّ الذي دعا إليه السّيّد الرّئيس ، وكان أوّل مقترح للتّطوير في مجال عمل الجبهة الوطنية التّقدميّة ضمن البحث : ” العمل على الإصلاح السّياسيّ في سورية ” .
وسنكون في الجزء التّاسع من البحث مع الفقرة التّاسعة من القسم الخاص المتعلّق بعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، والتي تتعلّق بالإشارة إلى ” تفعيل الدّور الرّقابيّ لمنظومة مكافحة الفساد سواء الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش أم سواها ، وإحداث منظومة جديدة تكافح الفساد بصورة حقيقيّة ” .
يسرّني أن أبدأ بما قاله السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد عن ظاهرة الفساد في خطاب القَسَم الذي ألقاه أمام السّادة أعضاء مجلس الشّعب لولاية دستوريَّة ثانية فقال :
” الحديث عن التّطوير الإداريّ .. يقودنا إلى الحديث عن الفساد .. الذي يعتبر محطّ اهتمام النَّاس في بلدنا .. لتأثيره المباشر وغير المباشر على الحياة الاجتماعيَّة .. ولتحوِّله إلى معوِّق للإصلاح . وعلى الرَّغم ممَّا يثار عن حجمه وأبعاده .. وعلى تباين الآراء في هذا الشَّأن .. وعلى الرَّغم من الجهود المبذولة للحدّ منه ومكافحته .. فإنَّنا مازلنا نحتاج إلى آليات ناجعة لمكافحة الفساد ” .
وسبق لي أن أشرت في مقالات عديدة عن دور التّربية في مكافحة الفساد ومحاربته ، وكنت قد ذكرتُ أيضاً في لقاء تلفزيونيّ في الفضائيّة السّوريّة بتاريخ 13/12/ 2015 م ضمن حلقة بعنوان : ” التّربية تحارب الفساد ” ، وكذلك في لقاء آخر بُثَّ من قناة أوغاريت بتاريخ 19/4/2019 م ضمن حلقة بعنوان :
” التّربية في مكافحة الفساد ” بعض المعايير لإنشاء وزارة أو منظومة تُعنى بمكافحة الفساد ، تضمّ الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش والجهاز المركزيّ للرّقابة الماليّة ، وضرورة عدم تبعية تلك المنظومة لرئاسة الوزراء ، فليس من المعقول أن تكون تلك المنظومة كحال الهيئة المركزيّة حاليّاً تحت جناح مَن عليها أن تقوم بمتابعتهم للمحاسبة في حال التّقصير ، ولا بدّ من تغيير تبعيّتها من رئاسة الوزراء إلى مجلس الشّعب أو إلى المكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس ، وإنّي على استعداد لتقديم تلك المعايير التي وضعتها في بحث خاص لمقام السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد واطّلاعه شخصيّاً عليها ، وهي المتعلّقة بتلك المنظومة ومعاييرها وآليّات مكافحة الفساد .
ومنذ القديم نسمع عن الفساد في سورية ، وقد جعلت منظّمةُ الشّفافيّة الدّوليّة سوريةَ في المرتبة الأولى شرق المتوسط والثّانية عربيّاً في انتشار الفساد ، ولم نعهد الإعلام العربيّ السّوريّ يتحدّث عن الفساد والمفسدين والفاسدين أو يمتلك الجرأة في ذلك إلّا ما ندر ، وكذا الحال في التّربية التي تبتعد في مناهجها عن تعريف الفساد وبيان الممارسات الخاصة بالفساد وإظهار القوانين الخاصة بذلك ، وقد طرحتُ تلك الفكرة في مؤتمر التّطوير التّربويّ المنعقد في دمشقَ بتاريخ 26/9/2019 م ، ولقيت الفكرة استهجان رئاسة الجلسة ، وأكّدتُ أمام الحضور وجودَ حالات الفساد في سورية ، وخلوَّ المناهج من تعريف الفساد والتّأكيد أن يتمّ إظهار تعريف منظّمة الشّفافيّة الدّوليّة للفساد وعناصر الفساد وأدواته ووسائل مكافحته ، وأمام استفحال التّردّي الإداريّ الذي نشهده في مؤسَّساتنا _ على نطاق واسع _ تُطرَح أسئلة كثيرة بصورة يوميَّة أو شبه يوميَّة تتعلَّق بحسن أداء هذه المؤسَّسات , بما يخدم مصلحة مواطننا في الجمهوريَّة العربيَّة السّوريَّة , وبالتَّالي انعكاس ذلك على المصلحة الوطنيَّة من وجهة نظر عامَّة ، وهذا ما يدفع كلّ غيور على بلده وإنسانيّته للإسهام في تسليط الضّوء على ذلك الواقع لتجاوزه , وخلق حالة يستعيد فيها المواطن صورته المطلوبة , هذه الصّورة التي تعرَّضت للكثير ممَّا يشوبها , الأمر الذي بات يحول دون قيام مواطننا للقيام بواجبه بصورة مثاليَّة ، وحتَّى يتمّ ذلك لا بدّ من إعادة النَّظر في النّظام الإداري عبر التّطوير الإداريّ الذي أشار إليه السّيّد الرّئيس والعمل بفاعليَّة لتحقيق رؤاه وأهدافه المنشودة .
وانطلاقاً ممّا أشرت له فإنّي سأطرح الأسئلة الآتية ، وهي برسم السّيّد الدّكتور بشّار الأسد رئيس الجمهوريَّة العربيَّة السّوريَّة ، لتعبّر عن حالة حدثت قبل سنين خلت ، والأسئلة تتعلّق بالآتي :
ما تعريف الفساد ؟ ، وهل في الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش فساد ؟! ، وهل هناك مؤشّرات علاقة فساد تربطها بوزارة التّربية ؟!.
فقد اختلفت التّعريفات لمفهوم الفساد تَبَعاً لوجهات النّظر المختلفة لكلّ من يقوم بتعريف ظاهرة الفساد ، فقد عرَّفه بعضهم بأنَّه الانحراف الأخلاقيّ الذي يتمثّل بالابتعاد عن الطّريق المستقيم ، ومخالفة المعايير الأخلاقيّة التي رسّخها الدّين والعادات والتّقاليد والأعراف في المجتمعات , وعُرِّف بسوء استخدام السّلطة أو المنصب الإداريّ لتحقيق منافعَ شخصيَّةٍ حسب تعريف منظَّمة الشَّفافيَّة الدَّوليّة ، سواء أكانت هذه المنافع تعود للشّخص نفسه أم عائلته وأقاربه أم لمن له علاقة بالموظّف أو صاحب المنصب الإداريّ من قريب أو بعيد ، وتتمثّل ظاهرة الفساد بصورة عامّة بعمليات الاختلاس وإهدار المال العام والرّشوة وتزوير المستندات الرّسميّة والمحسوبيّة أو الإهمال والتقصير في أداء العمل الوظيفيّ وغيرها من الأساليب التي تسيء للموظّف ومهنته والمؤسّسة التي يعمل فيها .
ولابدّ من نشر الوعي لبناء الإنسان المدرك لممارسة دوره في الحدّ من انتشار ظاهرة الفساد والعمل على إبراز المفاهيم الخاصّة بالنّزاهة والإخلاص أو التَّفاني في العمل والحرص على المصلحة العامّة لا الخاصّة وتعزيز مفهوم العمل الجماعيّ بديلاً عن المفهوم الفرديّ .
ولعلَّ ما سبق يؤكِّد أنّ التّربية لها الدّور الأمثل في القضاء على ظاهرة الفساد وليس غيرها ، وهذا ما أشار إليه السّيّد الرّئيس بشّار الأسد في قوله :
” العقوبة ضرورية .. لكنَّ العقوبة هي حلٌّ مؤقَّت ولن يؤدّي للنَّتائج التي نتوخَّاها ، لسبب بسيط .. لأنَّ أغلب الحالات لا يوجد ضدّها دليل ، ولقد قمنا بتحويل العديد من الحالات والقضايا إلى القضاء وتابعناها .. لكن لم يثبت وجود فساد على الرَّغم من قناعة الكثيرين بأنَّ هناك فساداً . إذاً هذه حالة المحاسبة لا تكفي وحدها على الرَّغم من ضرورتها . وفي الوقت ذاته الفساد يطوِّر نفسه ، الفساد ذكيّ وعادة يطوّر نفسه بشكل أسرع من تطوّر آليَّات الدّولة .. ” .
وإنّني على ثقة أنّ السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد سيعمل على محاسبة الفاسدين والمستغلّين والمفسدين في سورية ، وستتمّ عملية المُكاشفَة والمُواجهَة والمساءَلة والمحاسبَة والمعاقَبَة لكل مَن عاث فساداً في سورية ، وكلّنا ثقةٌ وأملٌ بإعلان النّصر الموحَّد الذي سيعلنه السّيّد الرّئيس ضدّ الإرهاب والفساد تعميقاً لمفهوم المواطنة وحبّ الوطن والانتماء والولاء لسيادته ..
ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى حالات عديدة يسمع المواطن العربيّ السّوريّ بها تتعلّق بالفساد ، ولكن لماذا تقلّ فيها حالات محاربته ومكافحته ؟ ولماذا يُكتفى بالإقالة ( الإعفاء ) ؟ وما دور التّوجّه أو الانتماء السّياسيّ بين عمليتَي المكافحة والإقالة ؟! ، سأقسّم البحث إلى أجزاء لإيراد بعض الأمثلة المختلفة .
وقد أشار سيادة الرّئيس أيضاً لضرورة مكافحة الفساد في خطاب القسم الأخير يوم السّبت بتاريخ 17/7/2021 م ، ونوّهت في الجزء الثّاني من بحثٍ بعنوان : ” ماذا يأمل الشّعب العربيّ السّوريّ من السّيّد الرّئيس بعد أداء القسم ؟!” _ وهو منشور بتاريخ 5/7/2021م _ إلى أنّ الشّعب يأمل في مكافحة الفساد لأنّ سورية في ذيل قائمة الدّول في الفساد تبَعاً لمؤشّرات منظّمة الشّفافية الدّوليّة ،
واعتماد مبدأ المكاشفة والمحاسبة والمواجهة والمحاكمة والمساءلة والمعاقَبَة ، لأنّ الشّعب بات بحاجة للعمل أو الفعل الحقيقيّ في المكافحة وليس كفّ اليد أو الإعفاء كونه تشجيعاً لمزيد من الفساد .
وسنكون في الجزء العاشر مع الفقرة العاشرة المتعلقة بتفعيل مواد قانون العاملين الأساسيّ في التّعيينات الرّسميّة ، وخصوصاً المادة السّابعة ، وتطبيق الفقرة الثّانية من المادة السّادسة والعشرين من الدّستور ، وتعميق مفهوم المواطنة بمختلف أبعادها القانونيّة والثّقافيّة الحضاريّة والاجتماعيّة تَبَعاً لذلك .

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية