نفحات قرآنية ( 31 )
رياض البغدادي ||
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) سورة المؤمنون
لما قال الله تعالى في الآية السابقة ( أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ) ذكروا ما يجري مجرى الجواب ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ) وفيها مسألتان :
الاولى ان كلمة ( شِقْوَتُنَا ) تعني حالهم هو الشقاء والمعنى ان الغلبة كانت للشقوة فملكتهم .
والمسألة الثانية ان المعنى هو انهم طلبوا اللذات فساقهم طلبهم الى الشقاء .
وقد اعتذر اهل الشقاء بعذرين :
الاول انهم مغلوبون .
والعذر الثاني انهم ضالون ، وذلك لان عقيدتهم فاسدة ، وكأنهم مع الله في مناظرة ، اردوا ان يقولوا لله لولا انك منعت عنا الهداية ، لما كان حالنا الضلال ، ولولا انك منعت عنا التوفيق الى الصلاح ، لما كانت الغلبة للشقاء في صراعنا مع اللذات وهوى الشيطان.
فجاء جواب الله تعالى لهم صاعقا ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) ذلك لان عذرهم أقبح من فعلهم ، وهو دليل على فساد عقيدة خلق الاعمال .
ولما طلبوا العودة الى الدنيا (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) سهوا منهم بسبب شدة الموقف وعظمة العذاب ، لانهم قد علموا ان ذلك محال أو ربما طريقة لطلب الغوث والاسترواح ، واما (اخْسَئُوا فِيهَا ) أي انزجروا كما تزجر الكلاب .
وقوله ( وَلَا تُكَلِّمُونِ ) ليس نهيا لان الاخرة ليست دار تكليف ، وقيل ان ذلك آخر كلامهم ، والزجر كان ردا على مافعلوا بالمؤمنين وقيل ان (اخْسَئُوا فِيهَا ) هو نوع عذاب أَلحقه الله بهم نصرة لعباده المؤمنين ، وهو قوله تعالى (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) وذلك لما صدر منهم من سخرية وضحك ، بحيث انهم تشاغلوا بهم عن التفكر في امر الله فقال تعالى (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) فكان جزاء المؤمنين ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) .
وقيل أن جزاءهم كان لصبرهم على السخرية ، مما ابعد الكفار عن السخرية بآيات الله تعالى ، أو هو ابعاد السخرية عن نبيه (ص) وتحمل المؤمنين لها. والله العالم