الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

لطالما يتبادر إلى الأذهان سؤال عن السبب الذي تميز به السادة العلويون من ذرية الرسول الأكرم (ص وآله) بلبس اللون الأخضر فيا ترى لماذا هذا التميز ، وهل هذه الخصوصية كانت لهم في زمن رسول الله (ص وآله ) ؟ من المعروف أن التميز بلون الأخضر جاء فيما بعد فقد كان اللون الأبيض هو المتُسيد والغالب في زمن الرسول (ص وآله ) ولنا أن نسترسل بجملة من الحوادث التاريخية التي تدعم هذا القول إذ روت أسماء بنت عميس في ولادة الإمام الحسن (ع) عندما جاءت به إلى الرسول (ص وآله ) وهو ملفوف بخرقة صفراء فالقاها عنه (ص وآله ) وقال : ألم أعهد إليكن أن لاتلفوا مولودا بخرقة صفراء ، حتى اخذ الرسول (ص وآله ) خرقة بيضاء ولفه بيده الشريفة والذي يبدو أن السبب في ذلك أن اللون الأصفر كان أهل الجاهلية يلفون فيها الرفيع منهم ، كما كانت أكثر ألوية القتال التي كان يعقدها الرسول(ص وآله ) بيضاء مثل لواء حمزة بن عبد المطلب (رض) ولواء عمه عبيدة بن الحارث ولواء أمير المؤمنين (ع) يوم خيبر ولوائه يوم فتح مكة كلها كانت بيضاء بل الأكثر من ذلك أن العمائم كانت بيضاء إذ لبس أمير المؤمنين (ع) عمامة بيضاء يوم صفين ونقل الواقدي رواية ذكر فيها أن الإمام زين العابدين (ع) كان يعتم بعمامة بيضاء فاللون الأبيض شعار الرسول (ص وآله ) وشعار أمير المؤمنين (ع) وشعار العلويين ، لكننا سنجد أن هذا اللون أستبدل من الأبيض إلى الأخضر تحديداً في زمن الإمام الرضا(ع) وفي عهد المأمون عندما عهد للإمام (ع) بولاية العهد إذ أصدر المأمون العباسي مرسوماً بتغيير اللباس الرسمي من الأسود ـ وهو شعار العباسيين ـ إلى اللون الأخضر وهو في حقيقة الأمر خطة محكمة ومدبرة من قبل المأمون ليوهم الناس بأن فكرة ولاية العهد هي فكرة مجوسية وبالتحديد من الفضل بن سهل المجوسي الذي أسلم عن قريب وذلك لعدة أسباب:
1 ان اللون الأخضر آنذاك كان لباس كسرى والمجوس حتى يثبت مجوسية الفكرة .
2ـ امتصاص نقمة العباسيين خوفاً من هيجانهم عليه نتيجة تبديل لون الدولة الرسمي من خلال إلقاء المسألة في ملعب الفضل بن سهل وخروج المأمون منها .
3ـ أراد بذلك إضفاء صفة المجوسية على التشيع وأن هناك تقارب كبير بينهما مما حدا بابن الأثير ت630هـ أن يذهب بالقول بتشيع الفضل بن سهل المجوسي .
ولنا أن نورد ما ذكرته بعض المصادر نثبت من خلاله أن لباس أهل البيت (ع) كان الأبيض وأن الأخضر كان لباس كسرى والمجوس وهو عندما جاء نعيم بن حازم للمأمون يعاتبه على هذا الأمر بقوله ( انك إنما تريد أن تزيل الملك عن بني العباس إلى ولد علي ثم تحتال عليهم فتصير الملك كسرويا ولو أنك أردت ذلك لما عدلت عن لبس علي وولده ، وهي البياض إلى الخضرة وهي لباس كسرى والمجوس) .
لكن عند تفحص الروايات وجدنا أن هذا السبب غير مباشر بل لم يلقى ذلك الرواج الواسع وأن دائرة الحدث انحصرت في خراسان والدليل على ذلك ما ذكره الطبري عندما جاء الخبر لأهل بغداد أن يتركوا السواد ويلبسوا اللون الأسود إذ قال (لا نبايع ولا نلبس الخضرة ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس وإنما هذا دسيس من الفضل بن سهل) ومن هنا يتضح ومن خلال هذا النص مبدأين :
أـ عدم اتخاذ اللون الأخضر من قبل أهل بغداد وبقائه داخل خراسان فقط.
ب ـ نجاح المأمون في التمويه والتغطية على فعلته وإلقاء المسؤولية على الفضل بن سهل وهذا واضح من النص.
لكن ومن خلال تتبع النصوص يتضح أن هنالك أشارات واردة تنص على أن تبديل اللون إلى الأخضر كان مرضاةً لرسول الله (ص وآله ) وهو ما قام به الملك الأشرف في مصر وبالتحديد عام 773هـ وللتفصيل يراجع كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لأبن تغري بردي ت874هـ ، ولنا أن نختصر المسألة خشية الإطالة ، أن الملك الأشرف قرأ حديثاً للرسول الأكرم (ص وآله ) قال فيه ( من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة) وقال (ص وآله ) (أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي والقاضي حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا أليه والمحب لهم بقلبه ولسانه) ومن أجل أكرام ذرية الرسول الأكرم (ص وآله) أمر سلطان مصر ـ الملك الأشرف ـ في شعبان 773هـ بأن يتميز السادة العلويين بعلامة خضراء بارزة إكراماً وإجلالاً لهم وتعظيما لقدرهم ليقابلوا بالقبول والإقبال ويمتازوا عن باقي المسلمين ، وفي هذا يقول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي :
أطراف تيجان أتت من سندس خضر كأعلام على الإشراف
الأشرف السلطان خصص لهم بها شرفاً لنعرفهم من الاطراف
ومن هنا يتبين أن الشعار الأخضر لبيعة ولاية العهد للإمام الرضا (ع) كان لعبة سياسية مدبرة قد خطط لها المأمون العباسي وليس هو شعاراً للعلويين في ذلك الوقت وفي ذلك أيضاً اتضح أن الرسول الأكرم ( ص وآله ) والأئمة قد لبسوا ألوان عديدة باستثناء اللون الأسود وأن شعارهم كان اللون الأبيض وأن العلويين عرفوا اللون الأخضر وميزوا به منذ عام 773هـ وجاء تكريماً لذرية الرسول الأكرم (ص وآله ) من قبل سلطان مصر ( الملك الأشرف )ليُتخذ لباساً إلى هذا اليوم .
ـــــــــ