الجمعة - 19 ابريل 2024
منذ سنتين
الجمعة - 19 ابريل 2024


الكاتب الحقوقي علي الفارس ||

هناك فرق بين الثورة والتمرد ؛ في سلوك الشعوب ، ولا نود الإطالة في شرح الفرق هنا ، ولكن يمكن القول ان الثورة منهج تغيير كامل للنظام، مرده الى مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ، لنظام بات غريبا عن المجتمع في مسلكه وثقافته هدفها النهائي هو الحرية ، فيما يُعرف “التمرد ” في الغالب أنه انتصار للنفس، وممارسة العصيان ،والخروج عن الأعراف وتحد للنظام ، فالأول هو انتصار للآخرين والثاني انتصار للنفس ، ويبدو ان ما تعيشه بلادنا هذه الايام وبناء على ما يجري من أحداث شغب شملت معظم محافظاتنا الوسط والجنوب ،هو مظهر من مظاهر التمرد والعصيان ، ومواجهة جزء من نظام أمني أو اقتصادي وتنفذه اجندات معينة أو جماعات محددة من المجتمع ، تخرج إلى السطح عناوين مشكلاتها ، وهي في الغالب تلك التي تعاني الغبن من التمييز و التهميش وغياب العدالة وانتشار مظاهر الفقر والفساد في المجتمع ، فالحديث عن الحراك الشعبي الذي بدأ منذ سنتين لم يكن يتعلق بالميل لتغيير النظام ، بقدر ما كان يعني تمرد على الاوضاع السائدة التي عاشتها البلاد واوصلت الناس الى ما وصلت اليه من فقر وبطالة وحكم فاسد ومحاصصة، متمكنة نهبت خيرات البلاد وباعت ثرواتها دون وجه حق ودون ملاحقة قانونية وكانت تلقى كل الرعاية والدعم من دول مجاوره !
فمظاهر التمرد التي اجتاحت بلادنا في مختلف المحافظات تتفجر في الغالب لأسباب على أساس انها تتعلق بحالة آنية سياسية او اقتصادية، ذات التأثير على عموم الناس ، بل هي كانت تثار لمجرد تسقيط شخصيات حكومية ،او نظام معين ،تختلف توجهاته عن توجهات الدول المستعمرة او المستفيدة من بقاء الوضع تحت سيطرتها ، فالتمرد لا يتعلق بذات الشخص بقدر ما يتعلق بمجموع ضغوطات وجدتها الناس ضآلتها في تلك الحادثة لتتفجر ، ولذلك ، فأن سيكولوجية التمرد التي لم يتنبه لها الحكام في بلادنا باتت هي أبرز ما يعيشه مواطننا باعتباره ذات الشخصية المقهورة سياسيا و المهمشة اجتماعيا والمكسورة نفسيا ،وهنا سيبدو الميل طاغيا” لدى سيكولوجية التمرد لدى الناس نحو تغليب الذهنية الانفعالية المتطرفة على مظاهر التعقل للدافع وتطلق عنان الفوضى ضد أعراف المجتمع وثقافته ، مما يجعلها تحاكي نوازع العصبيات وتناغي دوافع الأصوليات
وتعلن شرعية العصيان ضد سلطة الدولة من جهة ، وتبيح من ثم أعمال السلب والنهب والحرق للمؤسسات ، وكانت احداث جريمة الإسعاف في محافظة ميسان او حادثة قتل والتمثيل بجثة الطفل الشهيد البطاط تلك الجرائم المروعة أو غيرها من مظاهر العنف التي اجتاحت بلادنا معايير واضحة على مدى ما وصل اليه الناس في التعامل مع التدخل الخارجي الذي كان مسيطر سيطرة تامه على التمرد ، لكن سلوك التمرد الراهن لدى المكون الشيعي متعلق بأصول وفصول تاريخ من التهميش والإقصاء والمحاباة والحكم لفئات دون غيرها ولغياب العدالة الاجتماعية وازدياد الفقر والبطالة وغياب الثقة بقدرة النظام على مواجهة تلك التحديات لفشل الحكومات في وضع استراتيجيات شاملة، لمواجهة تلك التحديات ، فكل حكومة تعمل وفق رؤية آنية للخروج من مأزق ، وتأتي الحكومة التي تليها لتلغي ما بدأت به من قبلها لتبدأ بسياسات جديدة ، وكُل يرحّل تلك المشكلات الى الحكومات التي تلي حكومته ، والأهم من هذا كله ما يتعلق بفوبيا ( المحاصصة الحزبية ) التي رافقت النظام منذ عام 2003 ولحد عام 2018 ’’
كنا ندقق غالبا في وجوه بعض المشاركين في تلك التظاهرات نسمع منهم هتافات نريد وطن وغيرها التي تبث الشك والريبة في تلك الهتافات وعدم مصداقيتها ’’ لكون اغلب الخارجين هم فتية صغار العمر لا يفقهون من الوطن سوى الاسم، والقسم الاخر نساء عاريات ترتع ليلا في خيم الاعتصامات، لكن وجد من بين تلك الفئات جزء قليل كانوا قد خرجوا فعلا لإيجاد حل لكل الازمات، التي مرت بها الدولة، وللتخلص من تلك الأحزاب الفاسدة التي جثمت على صدور الفقراء، من سنة سقوط الطاغية ولعام 2018 ’’! فاجتمعت عوامل القهر والفقر والتهميش والإقصاء والظلم والفساد في معادلة اجتماعية شكلت لدى المواطن نهوضا و ” تمردا ” من أجل تصويبها ومعالجتها .
ان ترك عوامل التمرد والسخط قائمة دون مواجهتها سيدفع الناس الى المزيد من اتباع سلوكيات اكثر تطورا واكثر خطورة في مواجهة النظام، وتحت اي مسمى او حادثة قد تحصل لا فرق في تأثيرها على فرد او جماعة ، والمهم لديهم ان تلوح الفرصة امام الناس للتعبير عن سخطهم وتطوير أدوات المواجهة الى الحد الذي تصبح فيه مؤسساتنا وهيبة بلادنا وانظمتنا مسألة لا قيمة لها، وقد يعجز النظام عن مواجهتها ’’ ولم نرى محاكمة فاسد أو إصدار قانون يجرم كل من سرق البلد ومدى تطبيق ذلك القانون ، لكن الاخطر من هذا كله ان تستفيد قوى وأحزاب ذات برامج سياسية واجندة خارجية لتركب موجة السخط تلك وتوجهها نحو مبتغاها للضغط على النظام لتقديم تنازلات ليست في صالح الناس بل لصالح أجندتها الخاصة ، وهذا ما هو قائم حتى اللحظة في بلادنا ،
ـــــــــــ