الخميس - 28 مارس 2024

البعد الدولي في استقالة التيار الصدري

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


ماجد الشويلي ||

مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي

تأتي استقالة نواب التيار الصدري الجماعية بتوجيه من السيد مقتدى الصدر ، في إطار سلسلة من الاحداث والتداعيات الدولية والإقليمية الهامة للغاية.
فحينما يصرح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لصحيفة “صنداي تايمز ((أن من الضروري الاعتراف بحقيقة أن أحداثاً كبرى قادمة في الشرق الأوسط، ومن المهم حل الصراع في ‎أوكرانيا مع أخذ مصالح ‎روسيا بالحسبان، والولايات المتحدة منقسمة أكثر مما كانت عليه في حرب فيتنام )). فهو يمثل انعطافة باتجاه منطقتنا ، وتحولا في سلم أولويات الولايات المتحدة في المواجهة مع خصومها.
فبعد أن كانت ترى أن أولويتها هي مواجهة الصين والسعي للاستفراد بها من خلال تقويض حلفائها وفي مقدمتهم روسيا، تغيرت تلك الأولوية واتجهت صوب الشرق الأوسط لأسباب عدة،
تقف في مقدمتها منع استنزافها في معركة طويلة الأمد قد تنتهي بحرب كونية ثالثة تستدرج لها دراماتيكيا.
والأمر الآخر الذي دعا لتغيير الوجهة الأمريكية نحو الشرق هو إدراكها أن حسم المعركة النهائية لتحديد معالم النظام العالمي البديل ينطلق من الشرق الأوسط خزان الطاقة العملاق ، ومرتكز الممرات المائية وخطوط الطاقة النظيفة للعالم كله.
(الرئة التي يتنفس منها العالم الطاقة)
فضلا عن الإلتزام الأمريكي بضرورة حماية إسرائيل ، التي تمتلك من القدرة بالتأثير على سياساتها بمستوى تغيير أولوياتها من مواجهة الصين وروسيا الى مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
وعلى مايبدو أن الأمريكان قد اقتنعوا أن مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة،
لن يسبب لها الاستنزاف الذي تسببه مواجهة روسيا .
ويبقي على القدر من قدراتها وإمكانيتها ما يمكنها من مواجهة الصين بعد حسم المواجهة مع ايران وحلفائها بحسب ما تعتقد.
وهذا الامر مرهون بتحديد وجهة السياسة في العراق ، بل تحديد موقعية العراق في هذه المواجهة.
وهو الأمر الذي كانت الدوائر الغربية تعول فيه كثيرا على وصول التيار الصدري الى استلام السلطة في هذا البلد واقصاء الجماعات السياسية الموالية لايران عنها.
ولا أقول ان هذا باتفاق بين التيار الصدري والقوى الخارجية ، وانما هو توافق في وجهات النظر حتى مع المحيط العربي .
فكلهم يرون ضرورة إبعاد العراق عن إيران .والفارق أن الولايات المتحدة وإسرائيل ومعها الدول العربية، تريد له أن يكون جزءا من محور التطبيع والإبراهيمية الجديدة ، والمواجهة مع الجمهورية الإسلامية.
وهذا ما لايريده التيار الصدري ولايرغب به وإن كان يتعرض لضغوط كبيرة لتبنيه.
من هنا نفهم لماذا بدأت السفارة الأمريكية في بغداد بنقل معداتها وكل تجهيزاتها الى إربيل ، تزامنا مع اعلان إسرائيل عن إبرام اتفاقية دفاع مشترك بالأنظمة الصاروخية تضم 6 دول من بينها العراق.
وعلى صعيد متصل فقد أعلنت القوات الأمريكية انسحابها من المناطق السورية التي تود تركيا احتلالها.
في حين بدأت الخارجية الأمريكية الاعداد لزيارة بايدن الى كل من اسرائيل والسعودية ، وهي الزيارة الأهم والنقطة المفصلية في تحديد وجهة التحالف الجديد ضد الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة.
وعلى ضوء ماتقدم يمكن النظر الى الاستقالة الجماعية التي قدمها التيار الصدري على أنها ستخلق مسوغا للتدخل الدولي في العراق عبر نافذة مجلس الأمن الدولي.
فانسحاب التيار الصدري لم يأت بنحو يتيح فيه للاطار التنسيقي الذهاب لتشكيل الحكومة بأريحية ، وإنما جاء بسياق نقمة عارمة على الأخير ، وتحميله مسؤولية وتبعات انهيار العملية السياسية
والتلويح بتنظيم مظاهرات شعبية عارمة .
ورغم أن زعيم التيار الصدري أكد في إحدى تغريداته الأخيرة أنه لن ينجر الى حرب طائفية قذرة ، إلا أنه لن يحول دون أن تجد أجهزة المخابرات الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل ضالتها للانقضاض على العراق، وإذكاء الفتنة الطائفية فيه، وتصفية حساباتها مع قيادة المقاومة، وتوزيع الاتهامات المتبادلة بين الموالين لايران والتيار الصدري.
وصولاً لانهاك الوضع الشيعي وخلق مبرر كافي لإعلان سحب الشرعية من النظام السياسي الحالي بقراري أممي.
وهناك سيناريو آخر محتمل لما بعد هذا، يمكن لنا الحديث عنه لاحقا.
ـــــــــــــ