الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د.أمل الأسدي ||

سابقا، كانت البنت تری أمها وهي تطبخ وتعجن وتخبز،وتصنع المعجون بنفسها،تنتظر لحظة مرور سيارة بائع الطماطم(الرايجة) حتی تعصرها وتصفيها وتغليها وتضعها في الشمس!!
كانت البنت تشاهد أمها وهي جالسة تفكر،كيف ستتدبر أمرها وتجهز كل شيء كي تستقبل أهل زوجها في اليوم التالي(عمتها،عمها،حماتها) فلا تريد أن تظهر مقصرة أمامهم وأمام زوجها!!
فـ(تلف جدر الدولمة،وتلف الكبة،وتعجن كباب طاوة) وتحضر كل شيء قبل يوم أو يومين!! تتعب الأم كثيرا ويزول التعب في لحظات حين تجتمع الأسرة حول مائدة الطعام! خاصة المائدة الصيفية(اللوبيا والبصل والطماطة والخيار والبيتنجان) ولابد أن تكون الأم قد عصرت المشمس وصنعت منه أطيب شراب بارد!!
وما أجمل(ندارتها) وهي توزع وقتها الصباحي بدقة عالية (ايد تطبخ البامية وايد تصفي التمن وايد تخبز وايد تنظف)!! كل هذه الأعمال تؤديها وهي مسرورة وراضية!!
ثم تغمض الأم عينيها بفرح حين تری أولادها ينامون في فراشهم،وتغلق باب السطح بيدها ويضع الأب المفتاح تحت رأسه!!
ـ كل هذه المشاهد كانت تربي البنت وتصنع منها أنموذجا قويا مواجها،تصنع منها أُمّـــا مثالية!!
ـ أما الآن،فالموبايل والانترنت والتلفزيون غيّر كل شيء!
البنت تقضي جُل وقتها مع الموبايل، من الفيس بوك الی تويتر الی التيك توك الی الانستغرام، والليل عندها نهار،والنهار ليل!!
وقد تأتي عمتها أو عمها لزيارتهم، ولاتخرج لاستقبالهم والسلام عليهم؛وتبرر لها الأم كل شيء(تستحي،نايمة، خطية تدرس،عدها امتحان،شوية فلاونزا، ضغطها هابط…الخ) وقد تذهب صباحا الی جامعتها من غير أن تری عمتها أو عمها!!
سابقا،يوجد تلفزيون واحد وتجتمع العائلة للمتابعة،اليوم في كل غرفة تلفزيون،فالأم تجلس في غرفتها تتابع ما تتابع لوحدها،والأب كذلك، والبنت في غرفتها،تشاهد ما تشاء،واذا وجدتها أمها تتابع اي شيء أي شيء، تسعد وتفرح أن ابنتها المسكينة جالسة تشاهد التلفزيون من دون موبايل!!
تخيل عزيزي، أن تنشغل الأم لمدة ساعتين أو أكثر في متابعة بث مباشر لمتجر ملابس أو أوني مطبخية!! وتنفصل عن الواقع تماما!!
وتخيل أن ابنتك يربيها البشير شو وولاية بطيخ والريلز واعلاناته!!
ـ تخيل أن ابنتك الشابة لاتجيد حتی تحضير الشاي!! ولاتجيد أي عمل منزلي!! ولا تمتلك ثقافة ووعيا،ولا تحترم الروابط العائلية!!
وقد تجلس تناقشك وتقنعك بأنها لاتريد الذهاب الی بيت جدها(أهلك) ولاتستطيع التكيّف معهم لساعات!! وتقتنع أنتَ من غير الالتفات الی أن هولاء أهلك،سبب وجودك في هذه الحياة!!!
ماذا جری لنا؟ وأين اختفت عقولنا؟ وكيف انسلخنا عن بيئتنا وهويتنا؟!
هل نواجه نِعم الله ورزقه بهذا التشرذم والتفكك والقطيعة؟
ـ كيف يسمح الأب لنفسه أن ينام وابنته تسهر الی الصباح الباكر مع الموبايل؟