الخميس - 28 مارس 2024

لوعةُ مُصابهم، دروسٌ وعِبَر…

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


كوثر العزاوي ||

في ذكرى استشهاد مولانا الإمام الباقر من آل محمد”عليهم السلام” يبقى الحديث مشحونًا بالآلام والمعاناة، وكيف لا وقد عاصر مصطرًا صابرًا مايقارب سبعًا من طواغيت بني أمية العتاة، وقد شهد واقعة الطف الفاجعة وهو مايزال طفلًا بعمر الخامسة، وعاش مع أبيه زين العابدين عليه السلام محنة الفقد، ومقاومة الأعداء، ووحشة الناس بعد واقعة كربلاء، وقد بلغ ذروة الألم في مرحلة أستشهاد أبيه “عليه السلام” في الخامس والعشرين من محرم الحرام، وهي مرحلة التصدي لمسؤولية الإمامة والقيادة الروحية والفكرية والسياسية العامة، وهي الإمامة الشرعية حسب مدرسة أهل البيت”عليهم السلام” ولقد عانى الإمام الباقر من ظلم الاُمويين منذ ولادته وحتى استشهاده” عليه السلام”غدرًا بسمٍّ دسّه له الخليفة
الأموي هشام بن عبدالملك لعنه الله،
ورغم السنين التي عاشها في ضنك من العيش والتضييق، إلّا أنه أصّل فيها مسيرة الائمة الهداة مستلهِمًا من أجداده الطاهرين وعلومهم ومن وافر العلم الذي حباه الله به حتى باتت كنيته” باقر العلم، ومن بين وفرة الدروس والعبر.اسلّط الضوء على درسين،
*-الدرس الأول: في السلوك.. وهو مستوحى من قول الإمام الباقر” عليه السلام”:
قال الجاحظ في كتاب “البيان والتّبيين”:جمع محمّد بن عليّ الباقر صلاح شأن الدّنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: “صلاح شأن المعاش والتّعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل”، كأنّه يقول: إنّ الإنسان بحاجةٍ إلى “الوعي والبصيرة”، فلا يُخدَع، وبحاجةٍ إلى “التّغافل” فلا يَستغرق في الأمور الهامشيّة، وليركّز على إصلاح أمر آخرته ودنياه، وبذلك يصلح شأن معيشة الإنسان، وتصلح عشرته للنّاس،
*-الدرس الثاني: الفوز بالأسوة الحسنة واستمداد الصبر..
نقل عن احد المستبصرين قوله: أنّ الشيعة قوم عاشوا المظلوميّة في مختلف أطوار التاريخ، وقد تعرضوا لأبشع أنواع العنف الذي مارسه في حقّهم أعداء الأديان وأعداء الإنسانيّة”!!
نعم! فللشيعة أسوة في نبيّهم وأهل بيته المظلومين”عليهم السلام”
حيث بدأت المؤامرات تحاك ضدهم وأدوات الغدر تستهدفهم منذ أن أغمضت عَيْنا رسول الله “صلى الله عليه وآله”والى يومنا هذا!! لما يستبطن نهج آل محمد”عليهم السلام” من حقّ وعدل وقوة وقدرة على الاستمرار رغم عواصف الشر وفنون الممارسات اللا إنسانية بحق العترة وأتباعهم من الشيعة والمحبين على مرّ الدهر، إضافة الى قدرتهم الخارقة على مواكبة العصر وتلبية متطلبات العصر والزمان الذي يعيشون فيه! وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على سلامة العقيدة ورسوخها وقوتها في الصدّ عند اشتداد المحن، وهي نتيجة لما ارتشفوا من منهل النبيّ”صلى الله عليه وآله”وأهل البيت”عليهم السلام” ينابيع الحكمة ومعادن العلم ومنابع الرحمة، ومن هنا امتزجت مناقبهم مع الدم واللحم حدّ الإنصهار!! ومما يؤكّد هذه الإشارة
ماروي عن الإمام الباقر” عليه السلام” -في هذا الشأن العصيب- وكيف قرن شيعته معهم وهو يقول كما روي عنه:
{لم نَزل أهل البيت نُستَذَلّ ونُستَضام ونُقصى ونُمتَهن، ونُحرَم ونُقتَل، ونَخاف ولا نأمَنُ على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعًا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء، وعمال السوء في كلّ بلدة، فحدَّثوهُم عنّا بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورَوَوْا عنّا ما لم نَقلْهُ أو نَفعلهُ، ليُبغّضونا إلى الناس…}شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١/٤٣
ورغم هذا، وكلّ ما بذلته سلطة الجور بني أمية ومابعدهم، من ثروة وأموال طائلة لشراء بعض الضمائر واستئجار الذمم، واعتماد الأقلام المأجورة، بهدف طمس معالم مذهب آل محمد”عليهم السلام” وإقصاء الناس عنهم بالحيل تارة والترغيب الترهيب تارة أخرى!! وإن كان هناك الكثير ممن وقع ضحيّة الأقلام التي حاولت أن توسّع الفجوة بين أبناء الأمّة وبين معرفة أئمّتهم، لكنّها لم تستطع، ومحال أن تغيّر مسار كلّ الأمّة عن دربها الأصيل الذي ابتدأه رسول الله {صلى الله عليه وآله}وأكملَه وثبّتَهُ الأئمّة من اهل البيت “عليهم السلام”
صالح بعد صالح وصادق بعد صادق حتى وصل الأمر إلى قائمهم بالحق المهدي المنتظر”عجل الله فرجه الشريف”ومايعاني اليوم هو وأتباعه ونوّابه وشيعته حتى يأذن الله له، والى ذلك اليوم، يبقى صوت الحقّ مدويًا وسط صخب الأعداء ورغم إعلامهم المضلّل وصنّاع الفتن، كما تبقى الشمس ترسلُ بضوئها وبصيص من شعاعها وإن حجبتها السّحب طائعة لأمر الله، ولأن وعد الله حق ولابدّ لوعده من إمضاء، والصبر والأمل يلتقيان “فأي آلاء ربكما تكذبان” وهو القائل”جلّ ذكره”:
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾التوبة٣٢


٦-ذوالحجة١٤٤٣هج
٦-٧-٢٠٢٢م