الجمعة - 29 مارس 2024

البرمجة النفسية للقوى الشيعية في الأزمة السياسية

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


سعود الساعدي ||

أدركت الأجهزة الاستخبارية أهمية وسائل الإعلام ودورها في المجتمعات منذ زمن بعيد لاسيما أنهما يشتركان في ميزة جوهرية وهي توجيه الرأي العام بما يخدم أجندة النظام الحاكم لتحقيق أهدافه أو النيل من الجهة أو المجتمع أو الدولة المُستهدفة عبر التسقيط أو التضليل أو التحريف أو التخريب وإثارة الفتن.
ومع انتشار أجهزة الجيل الرابع من وسائط تكنولوجيا الإعلام والإتصالات الرقمية والفضائيات وشبكة الانترنت والتواصل الاجتماعي والقفزات الهائلة فيها كما ونوعا تطورت أساليب الأجهزة الاستخبارية وقفزت أيضا مناهج الحروب النفسية والدعاية وتوجيه الرأي العام ما دعا المنظرين الإستراتيجيين الأميركيين – وفي مقدمتهم جوزيف ناي-  إلى ابتكار مفهوم القوة الناعمة الذي قام عليه المشروع الإستراتيجي السياسي والإعلامي والعسكري الراهن وهو مشروع الحرب الناعمة الذي نقل المعركة الحضارية بين الإسلام وحضارة الكفر التي تمثلها العصابة الرأسمالية المتحكمة من الميدان الخشن الذي فشلت فيه أميركا وأتباعها ونجحت فيه عقيدة الشهادة والصبر التي يتقنها اعداؤها إلى الميدان الناعم الذي تتفوق فيه أميركا بأدواته التكنولوجية والإعلامية والاتصالية ودمجه بالأدوات المتاحة الأخرى العسكرية والإقتصادية واستخدامها بما يتناسب مع أي وضع دولي فيما سُمي بالقوة الذكية.
تقوم الحرب الناعمة الراهنة – التي تستخدم طرفا ثالثا للتمويه والخداع بحسب توصيات ناي- على نظرية “البرمجة النفسية والذهنية” المعتمدة على آخر ما توصلت إليه مناهج علم النفس السلوكي القائمة على “جذب” الضحية موظفة كوادر إعلامية متمكنة تتلطى خلف شعارات الشفافية الزائفة والمهنية الفارغة ومركزة معادلة “الإنطباع الإعلامي” بدلا من “الإقناع البرهاني” ومستندة الى تقنيات البرمجة عن بعد في الترويض الناعم والإستدراج الخفي والتدريب الهادئ والايحاء المتدرج وشحن أطراف الصراع عبر الحديث عن جاهزية وتوثب هذا الطرف وعن صلابة واستعداد ذلك الطرف بما يحرض الطرفين على بعضهما لإيقاعهما في الفخ وهو جل ما تقوم به قنوات الفتنة الحالية التي تشن حملة منظمة ومنسقة متسارعة مسخرة كل إمكاناتها لخطف أنظار الرأي العام وتحفيزه لتقبل التوجيه – الإيحاء السياسي وكأنك أمام غرفة عمليات مركزية وحدت مضامين الأخبار والبرامج مستنفرة طاقاتها لإستغلال أي حدث لصناعة دراما إعلامية للمزيد من التوظيف وتبذل جهدها لإستنزاف الطاقات وإرباك وإرهاق خصومها عبر الترويج للقوى الخارقة الحارقة القادمة للتغيير ودعم طرف على حساب طرف آخر والإصرار على إدامة ومضاعفة أجواء البيئة السياسية والإعلامية الجدلية الحادة بما يعمق الخلافات والحساسيات الأمر الذي يؤكد ضرورة الإدراك العميق لما يجري والحاجة الماسة إلى البصيرة والوعي والتسلح بالحكمة في مواجهة الأزمة الحالية