الخميس - 28 مارس 2024

نماذج من مهمات الامة الحسنية

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


الشيخ محمد الربيعي||

▪️إنَّنا نفهم من القرآن أنَّ للأُمّة كتاباً، وذلك من خلال قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(3). وهذا الكتاب هو كتاب الأُمّة؛ ولكن مَن هي الأُمّة؟
▪️القرآن هنا يتحدَّث عن الأُمّة بمعنى الجماعة، سواء كانت جماعة صغيرة أو كبيرة.
▪️وليس مصطلح الأُمّة هنا بالمعنى السياسي الذي يتحدَّث به علماء الاجتماع، كما يُقال أُمّة عربية، أو أُمّة فارسية، أو أُمّة إسلامية، أو مسيحيّة، وما إلى ذلك؛ فالمقصود هنا كلّ جماعة، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، بحسب العنوان الذي يجمع هذه الجماعة.
وعليه فيكون للإنسان هنا شخصيّتان:
▪️أ ـــ شخصية فردية، تنعكس فيها كلّ الأمور المتعلّقة به كفرد، من عقل، وغرائز، وما يتعلَّق بجسده وما إلى ذلك.
▪️ب ـــ شخصية جماعية، بمعنى كونه جزءاً من جماعة، كالعائلة، والمحلّة، والوطن، وما إلى ذلك.
هناك أمور لا بدّ أن تقوم بها الأُمّة، لأنَّ الفرد لا يستطيع أن يقوم بها، وذلك في القضايا التي تتعلَّق بالأُمّة بشكلٍ وبآخر، كما في قضية رعاية المستضعفين وإنقاذهم من المستكبرين، فمثل هذه الأمور ممّا لا يستطيع الفرد أن يقوم بها وحده.
محل الشاهد :
لنأخذ بعض النماذج التي هي من مهمات الامة الحسينية و مسؤولياتها :
▪️أ ـــ نصرة الحقّ
ورد في الحديث: “لن تُقدِّس أُمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقُّه من القوي غير مُتَتَعْتع”. فالأُمّة المقدّسة التي يحبّها الله، هي الأُمّة التي تتضامن وتتوحَّد وتركّز قوّتها على أساس أن تأخذ الحقّ للضعيف من القوي. وقيمة القيادة عندما تُمسك القوّة من خلال التفاف الأُمّة حولها، قيمة القيادة هي أنّها تعطي الضعيف حقّه وتأخذ من القوي الحقّ للضعيف، وهذا ما جسَّده أمير المؤمنين (عليه السلام) في حكمه عندما قال: “الذليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه”.
▪️ب: مسؤولية القيادة
من شؤون الأُمّة أن تتحمَّل مسؤولية القيادة، لأن الأُمّة هي التي ترفع وهي التي تضع من حيث الآلية، ونقول من حيث الآليّة، لأنَّ حقيقة الرفع والوضيع بيد الله عزَّ وجلَّ، فالأُمّة تؤيّد، فترفع أُناساً، وتخذل وترفض، فتنزل أُناساً وتضعهم.
في هذا المجال الأُمّة تتحمَّل مسؤولية القيادة الصالحة والقيادة غير الصالحة.. لأنَّ القيادة الصالحة قد تكون موجودة في المجتمع، ولكن لا يتبعها أحد. فنحن نجد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بقي في بيته خمساً وعشرين سنة، بالرغم من أنّه ليس أحدٌ أكفأ من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالرغم من أنّه (عليه السلام) يملك الحقّ ويفهمه أكثر من الآخرين، ويستطيع أن يمسك بالعدل بشكلٍ دقيق، وهو الذي يفهم الحياة بأفضل من كلّ أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو الذي يعي عمق الإنسان.
▪️لذلك فقد تكون قيادةٌ مِن أصلح ما يكون، كقيادة عليّ (عليه السلام)، ولكن نقاط الضعف، الموجودة في الأُمّة، والأوضاع القلقة التي تحيط بالأُمّة، هي التي تجعل القائد الصالح فاقد القوّة في المجتمع.
▪️وفي المقابل قد تنتخب الأُمّة، أو تؤيِّد، أو تتبع قيادات غير صالحة في هذا المجال فتكون كلّ نتائج هذه القيادة الفاسدة، على عاتق الأُمّة، ومن خلال ذلك نجد أنَّ الأئمّة (عليهم السلام)، في فترة حكم بني أُميّة، كانوا يحمِّلون الناس مسؤولية حكم بني أُميّة، بما مضمونه: “لولا أنّ بني أُميّة وجدوا مَن يدوِّن لهم الدواوين ويكتب لهم ويعينهم ويحارِب معهم لما قدروا على غصب حقّنا”.
▪️لذلك، فعندما نعيش في أي مجتمع، ويكون لكلامنا تأثير في قضايا تتعلَّق بالصالح العام كما في قضية التصويت في الانتخابات مثلاً، فلا بدّ لنا من أن نتحمَّل مسؤولية كلامنا، فلا نطلقه كيفما كان، ولا يكون على أساس القرابة، العائلية، أو القروية، أو الحزبية، أو ما إلى ذلك من أنواع تلك الروابط ، بل على أساس أنَّ هذه تمثّل موقعاً من مواقع المجتمع، ولا بدّ من إعطاء الصوت لمن يمكن له أن يحقّق أهداف الجمعية أكثر.
▪️وكذلك عندما تكون في حزب إسلامي، أو في تجمُّع إسلامي، أو في حركة إسلامية، ولك صوت في هذا المجال، فلا تفكِّر في الحسابات الشخصية، فإنَّ صوتك يمثّل مسؤولية أمام الله.. فهذا الذي سأنتخبه وسينجح قد يقوم بأشياء ترفع المستوى أو أشياء تخفض المستوى، وقد يدخل في ما لا يرضي الله، أو فيما يرضاه.
▪️وهكذا.. فإنّك يجب ان تنتخب إنساناً ليقوم بشؤون البلد، ويرعى مصالحه، فلا مجال للجوانب الشخصية في ذلك؛ فلا بدّ أن تراجع وجدانك، وتُشاوِر إخوانك، لترى مَن هو الأصلح، ومَن الذي يمكن أن يخدم الناس أكثر، ومن الذي يمكن أن يركِّز الأشياء الأساسية في حياة الناس أكثر.
▪️والشيء الأكثر سوءاً في مجتمعات لا يملك فيها النواب أمرهم، ومع ذلك لا نتحمَّل المسؤولية!!
إنَّ أيّة حكومة لا تستطيع أن تقوم بالمشاريع إلاّ بعد أن يصوّت عليها مجلس النواب؛ والحكومة قد تقدّم مشاريع فيها خيانة للوطن مثلا، وقد تكون مشاريع كمشروع الصلح مع (إسرائيل)، أو مشاريع تجعل البلدان تحت سيطرة أميركا، أو سيطرة أي جهة مستكبرة وظالمة.
فهؤلاء النواب قد يعطون الثقة لحكومة ليست في مستوى الثقة، وقد يشرّعون قوانين فيها ظلم للنّاس، وفيها تحميل للنّاس مسؤوليات ثقيلة أكثر من طاقتهم، فإنَّ الذي يكون مسؤولاً في هذه الحال هو أنتَ وأنا والآخرون، لأنَّ كلّ صوت في أصواتنا يُنجِح شخصاً ويُسقِط شخصاً، ومعنى ذلك أنّك تتحمّل مسؤولية كلّ ما يصدر من قرارات بحجم صوتك.
▪️لذلك، فعندما تريد أن تعطي صوتك، عليك أن تفكِّر: لو سألني الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، لماذا أعطيت صوتك لفلان؟ فإذا كنتَ منطلقاً من وعي للمسألة السياسية، ووعي للمسؤولية عن أهلك، وعن أُمّتك، وعن قومك، فتقول: يا ربّ أنا أجد فلاناً كذا وكذا ممّا يكون لك العذر فيه أمام الله عزَّ وجلّ، أمّا إذا لم يكن لديك وعي للمسؤولية، فإنّك لن تستطيع أن تعطي عذراً مقبولاً على ذلك.
▪️إنَّ علينا أن نعي نقطة، وهي أنَّ النائب يتحمّل مسؤوليّة الخطّ السياسي الذي يعطي نتائجه السلبية والإيجابية على مستوى البلد كلّه، فلا بدّ أن يكون نظرنا إلى مَن نختار وكيف نختار للبلد.
اذن يجب ان تراعي الله في قراراتك وتشعر بالمسؤولية، والحديث يقول: “مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا ـــ وقال في ضدّه ـــ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا”. فأنتَ عندما تنتخب شخصاً صالحاً، فإنّك بذلك تسنّ سُنّة حَسَنة، وعندما تنتخب شخصاً فاسداً أو غير صالح، فإنّك بذلك تسنّ سُنّة سيّئة تتحمَّل أنتَ مسؤولية كلّ ما ينتج عنها من سلبيات.. فلا بدّ لنا أن ندرس هذه النقطة بعمق. وكذلك لا بدّ أن نلتفت إلى أنّ صوتك تتحمَّل أنتَ فقط مسؤوليّته، فلا يلتفتْ الإنسان إلى أنّ العائلة قد صوَّتت، أو أنّ “عشيرة و ما شابه ذلك ، والله يقول: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}.
▪️جــ ـــ العدالة
ومن قضايا الأُمّة كذلك مسألة العدالة، وقضية العدالة تتمظهر في عدّة مظاهر: عدالة في الحاكم، وعدالة القانون، وعدالة التنفيذ.
فلا بدّ للشعب من أن يكون عادلاً مع بعضه البعض من جهة، ومع الحاكم من جهةٍ أخرى، وفي التزامه بالقانون الشرعي العادل من جهة ثالثة.
ولذلك، فإنّه عندما ينطلق الظالم في ظلمه بشكلٍ تنفيذي، أو عندما يظلم الظالم فيقنِّن قوانين ظالمة للمجتمع، أو عندما يظلم الظالم فيجعل الأُمّة تحت سيطرة قوى استكبارية بشكلٍ قانوني، فإنَّ على الأُمّة أن تقف وتُعارِض.
▪️إنَّ المعارضة للواقع الظالم، وللحكم الظالم، وللسياسة الظالمة، هي مسؤولية شرعية على الجميع، والمعارضة ليست لعبة سياسية، كما قد يتصوَّرها، أو يصوِّرها بعض الناس، وبأنّها على طريقة “قم لأجلس مكانك”، ولكنَّ المعارضة الحقيقيّة هي عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهناك حديث نبويّ شريف يصوِّر خطورة هذا الأمر: “لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ”.
▪️ولذلك نلاحظ ان كربلاء: ثورة في خطّ المعارضة
كان شعار الإمام الحسين (عليه السلام)، في كربلاء: “أُريدُ أن آمُرَ بالمعروف وأنْهَى عن المُنْكَر..” وكانت حركته نوعاً من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونوعاً من أنواع المعارضة والثورة على الحكم الظالم، فالحسين (عليه السلام) ثار لأنّه كان هناك مجتمع إسلامي، وعلى رأسه قيادة غير إسلامية تسيطر على أوضاع المسلمين، وكان هناك سياسة غير إسلامية تتحرَّك في حكم المسلمين، والحسين (عليه السلام) ـــ بحسب المصطلحات الموجودة عندنا هذه الأيام ـــ كان الثائر والمعارض.
▪️وكذلك… فنحن نستطيع أن نجد في حركة الزهراء الطاهرة (عليها السلام) عندما كانت تدافع عن حقّ عليّ (عليه السلام) في الخلافة، نستطيع أن نجد ملامح المعارضة السياسية للحكم ـــ بحسب المصطلح الموجود عندنا.
▪️ولذلك، فمسألة المعارضة السياسية في الواقع السياسي هي مسؤولية كلّ الناس الواعين، مسؤولية كلّ الناس المثقّفين، مسؤولية كلّ الناس الذين يتحرَّكون في السياسة على أساس أن تكون السياسة رسالة، لا لعبة، لأنَّ هؤلاء ـــ أي المثقّفين ـــ يمثِّلون الطليعة الرائدة في الأُمّة.
▪️وأمام ذلك نجد أنّ المستكبرين ـــ ومن خلال اللّعبة المخابراتية في داخل الشعوب ـــ قد وضعوا أُناساً على الأُمّة، في واقعنا في العالَم الثالث على الخصوص، ليضغطوا عليها، وليصادروا حريّتها، ويحكموا بالحديد والنار، بكلّ الوسائل الموجودة؛ ولكن ـــ بالرغم من ذلك ـــ لا بدّ للأُمّة أن تعمل لتكتشف ثغرة هنا وثغرة هناك لتنفذ منها، حتّى تستطيع أن تسقط هذا الظلم، الذي فرض سيطرته بفعل الظروف الموضوعية الموجودة، والذي يمكن أن يزول بتغيير الظروف الموضوعية ذاتها.
▪️لذلك علينا أن نفتح كتاب الأُمّة، لندرس، في كلّ موقع من مواقع المسلمين، كيف كانت الأُمّة في قضية نصرة الحقّ، وقضية العدل والظلم، وكيف كانت الأُمّة في مسألة القيادة.. كيف كانت في الماضي، وكيف هي الآن..
▪️فإذا رأينا أنّ الخطّ لا يزال يتحرَّك في اتّجاه الظلم والاستكبار والقيادة غير الصالحة، فعلينا أن نخطِّط بطريقة مدروسة، تراعي كلّ الظروف الموضوعية في الداخل والخارج، من أجل إسقاط القيادة غير الصالحة، لترتفع مكانها القيادة الصالحة، وإسقاط الخطّ الظالم ليكون بديله الخطّ العادل؛ وحركة الصراع بين الظلم والعدل، وبين القيادة الصالحة والقيادة غير الصالحة، هي حركة في حجم الزمن كلّه.
وعلى هذا الأساس فلا بدّ للأُمّة أن تخطِّط في هذا الاتجاه، وأن تجاهد في مختلف الميادين، إذ ليس الجهاد الذي تتحرَّك به الأُمّة محصوراً بالجهاد العسكري، بل هناك جهاد سياسي، وجهاد ثقافي واجتماعي واقتصادي، لأنَّ لكلّ موقع من المواقع التي نريد أن نحقِّق فيها أهدافنا، لكلّ موقع جهاده..
▪️لا بدّ أن يفكِّر كلّ واحدٍ منّا كيف هي الأُمّة؟ ما هو موقعه من الأُمّة؟ ما هي حركته في هذا الخطّ أو ذاك، حتى نستطيع أن نظلّ في حركة تقدُّم على مستوى الأُمّة، في خطّ المسؤولية، كما ننطلق لنعمل على أن نكون في خطّ تقدّم في حركة الأفراد، على مستوى المسؤولية.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق وشعبه