البرلمان يناقش اقرار الخدمة الالزامية..العراق وجدلية القوة

علي عنبر السعدي ||
مقدمة –
مازال العراق ورغم ما مرّ به من ظروف ،يمتلك الكثير من المعطيات لبناء قوة معتبرة تستطيع الدفاع عنه بوجه الأخطار ، قوة تجعله مهاباً من الأعداء ومحترماً من الأصدقاء ، فالديمقراطية والحريات العامة والأمن الوطني ، لايمكن أن تصمد من دون إيجاد من يدافع عنها ويحيمها ، تلك بداهات في عالم السياسة وتجارب الدول ،فهاهي الديمقراطيات الكبرى في أمريكا وأوربا ،تمتلك كل منها قوى عسكرية (بما فيها السلاح النووي ) خاصة بعد أن تعرضت للانهيار امام النازية في الحرب العالمية الثانية .
فماذا عن اقرار قانون الخدمة الالزامية ؟؟؟
– كانت الخدمة الإلزامية في الجيش العراقي، قد لعبت دورها كمدرسة تربوية صهرت مئات الآلاف من الشباب ضمن مفاهيم وطنية عامة ، وإن نظر اليها كواجب ثقيل الأداء.
– لكن أيّاً يكن ما يقال عن المؤسسة العسكرية العراقية، والأدوار السلبية التي لعبتها في تاريخ العراق الحديث، فانها كمؤسسة، ساهمت في البناء الإجتماعي على امتداد أكثر من ثمانية عقود
– المهمة التي انشىء من أجلها الجيش، منذ تأسيس الفوج العسكري الأول عام 1921 كانت المحافظة على الأمن والنظام، تلك المهمة لم تتغير في الجوهر منذ ذلك الحين.
– ان ما حدث من استخدام الجيش كأداة قمعية بيد السلطات الحاكمة، كان متوقع الحصول لمن يقرأ بإمعان طبيعة التشكّل الاجتماعي والسياسي لكيانية شعب كانت علاقته مع مفهوم الدولة ملتبساً باستمرار.
– إذ لم تكن الدولة بالنسبة له سوى عدّو دائم يمتص قوته بالضرائب ويلهب ظهره بالسياط، تنفيذاً لأوامر الولاة العثمانيين، أي انه رأى شر الدولة ولم ينتفع بخيرها.
– وحين أقيم الكيان العراقي، لم يتغير الأمر كثيراً بالنسبة للفرد العراقي، إذ بقي الإقطاع يلعب الدور ذاته، محمياً ضد الانتفاضات الشعبية ، بجيش الدولة.
– ثم تفاقمت الأمور بعد قيام الجمهورية عام 1958 وما تبعها في أزمنة الانقلابات المتتالية التي كان الجيش أداتها الأولى.
– وما لعبه ذلك الجيش في استخدامه كقبضة حديدية بيد البعث،
– ثم أداة لحروب متتالية أدخلت العراق في نفق مظلم مازال يدفع أثمانه الى اليوم.
– قد لا يكون هناك خلاف على ما ورد أعلاه، فذلك هو الجزء الأساس من سفر العراق الممتلئ بالدم والدمار.
– رغم كل ذلك يمكن النظر الى الصورة في جانبها المشرق، إذ مثّل الجيش مدرسة للانضباط والوحدة الوطنية.
– كان الشاب العراقي يأتي الى الجيش متطوعاً أو مكّلفاً، وهو في سّن التعلم أو مازال على ضفاف المراهقة، وبالتالي فهو يميل بحكم عمره الى الفوضى والتمرد.
– كذلك ممكن ان يكون عرضة لكلّ أنواع التعصب ضد الآخر أو التقوقع على الذات أو الأمراض الاجتماعية الأخرى ـ كالسرقة والنشل والمخدرات وما شابه ، فيدخل في معسكرات للتدريب يتعلم فيها الإنضباط والمناقبية والثقة بالنفس والصدق والأمانة، لمعرفته بأنه سيتعرض للعقاب إذا فعل خلاف ذلك.
– وبما ان الجزء الأكبر من وقته، يقضيه في وحدته العسكرية بما يعنيه ذلك من التزام، فإن أوقات الإجازة غالباً ما يتصرف فيها مع أهله ومجتمعه بسلوكية أفضل مما كان عليها قبل ان يلتحق بالجندية.
– ومن جانب اخر، ان الشابّ العراقي كان يعيش في معسكره أو وحدته، مع كافة أطياف الشعب العراقي، وبالتالي يتعرف ابن الجنوب على ابن الشمال والغرب عن كثب ويكوّنون صداقات تتحول أحياناً الى علاقات اجتماعية ومصاهرة خارج الحياة العسكرية.
– تلك الفوائد التي تشكلها الحياة العسكرية، حُدَّ منها في إلغاء قانون التجنيد الإجباري، وتشكيل الألوية والفرق على أسس أثنية أو طائفية أو مناطقية.
– فمازالت مهمة الجيش والقوات المسلحة هي ذاتها ـ المحافظة على الأمن والنظام
ـ لكن الاختلاف أصبح يتمثل في طبيعة السلطات القائمة وبما اننا في عصر الديمقراطية، وهي تحتاج الى جيش قوي يحميها ويأتمر بأمرها كي تنمو وتتطور.
– وبالتالي فمن الضرورة إعادة التجنيد الإجباري، ولو بجعل الخدمة الإلزامية سنة واحدة، يتعلم فيها الشباب، السلوك الانضباطي والخروج من التقوقع بكلّ أشكاله، والانتماء الى وطن كبير اسمه العراق.
– هذه بعض حقائق فيما يمكن إيراده عن المؤسسة العسكرية، لا علاقة لها بنوع النظام القائم ، فتركيبة النظام، انما تحدد طرق استخدام القوة، وليس مصادر القوة ذاتها. (*)
– من كتاب ( العراق – غمد السيف أم درب المعبد – المتشكل والمتحول في العراق الحديث ) ص 151 – المؤسسة اللبنانية للكتاب – بيروت – حزيران – 2012
– يؤخذ بالاعتبار الفساد الكبير الذي ضربت مفاصله في قيادات كبيرة وضباط برتب عالية – وماظهر من سرقات وانتهاكات كشف عنها في الآونة الأخيرة –
ـــــــــــــ