الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

إيران بين رسالة المحتجين.. و”العنكبوت الأسود”

الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024


محمد صالح صدقيان ||

🚨يستغرب الكثيرون أسباب استمرار الاحتجاجات وأعمال العنف في إيران التي دخلت أسبوعها التاسع دون أن تتمكن السلطات من إنهائها، ومن دون أن ينتهي زخم المحتجين الذين يواصلون حركة احتجاجهم ورفع مطالبهم.
• كيف تتعامل السلطات الرسمية الإيرانية مع هذه الإحتجاجات؟
يجيب مسؤول إيراني رفيع المستوی على هذا السؤال بالقول إن السلطات الأمنية الإيرانية تُحلّل هذه الاحتجاجات وتنظر إليها من خلال ثلاث دوائر في محاولة منها لإعطاء كل ذي حق حقه.
الدائرة الأولی؛ هم المواطنون الذين أطلقوا حركة الاحتجاج وأصبحوا مادتها وقاعدتها وغالباً ما تتراوح أعمارهم بين 15- 35 عاماً ولهم دوافعهم المتعددة والمختلفة. فئة أولى تطالب بالحريات العامة؛ فئة ثانية دوافعها اقتصادية إجتماعية بسبب الغلاء والتضخم والتفاوت الطبقي والغلاء المعيشي؛ فئة ثالثة تفقد الأمل تدريجياً بأي مستقبل بفعل تفاقم ظواهر البطالة والاحباط وعدم توفر فرص العمل؛ وثمة فئة رابعة اختزنت في ذاكرتها قضايا سياسية وإحباطاً ثقافياً وايدولوجياً؛ لكن في المجمل ـ يضيف المسؤول الإيراني ـ هذه الدائرة تنتمي إلى طبقات اجتماعية عديدة وقد إضطرت للتعبير عن واقعها بشكل عنفي بعدما شعرت أن جميع الأبواب أوصدت بوجهها من قبل الجهات المسؤولة المعنية. لذا، تحرص الحكومة على عدم الاصطدام بعناصر هذه الدائرة بل العمل على تلبية مطالبها وتبديد همومها ومشاكلها “وفي نهاية المطاف، هؤلاء هم أبناء هذا البلد ولهم الحق في المطالبة بحقوقهم وبخلق ظروف عيش كريم وأفضل بما يحقق مصلحتهم كما المصالح العليا للبلاد، من دون إغفال حقيقة الأسباب التي يتحمل المسؤولية عنها بعض المسؤولين ممن أوصلوا عناصر هذه الفئة إلى هذه الدرجة من الإحباط واليأس”.
اما الدائرة الثانية؛ يسترسل المسؤول الإيراني الرفيع المستوی؛ فتضم الجماعات الإنفصالية التي يضعها النظام في خانة “الإرهابية”، أمثال جماعة “جيش العدل” الناشطة في محافظة سيستان وبلوشستان التي تتخذ من الحدود الإيرانية الباكستانية مقراً لها ولديها علاقات فكرية ولوجستية مع تنظيم “القاعدة”؛ “الحزب الكردستاني الإيراني” (الكوملة) الناشط في محافظة كردستان الإيرانية ويتخذ من الأراضي العراقية مقراً لنشاطه؛ بالإضافة إلى جماعة “مجاهدي خلق” المتواجدة في أوروبا وجماعات صغيرة أخری كالملكية الشاهنشاهية، “لكن المهم في كل هذه المجموعات أنها مسلحة ومرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بجهات أجنبية تؤمن لها السلاح للقيام بعمليات مسلحة داخل الأراضي الإيرانية”.
في الدائرة الثالثة، و”هي الأهم والأخطر”؛ جهات خارجية تريد تحقيق أهدافها بعيداً عن أي هدف ينظر إليه الإيرانيون وبالتالي توظيف وإستثمار المشاكل الداخلية خدمة لمصالحها وأجنداتها الإقليمية والدولية. ولعل تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين جاءت تجسيداً واقعياً لمثل هذه التدخلات كقول الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه يريد “تحرير إيران”، فيما دعا مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون لتسليح المعارضة للاطاحة بالنظام السياسي. وأوضح في مقابلة مع قناة “بي. بي. سي” الناطقة بالفارسية الأسبوع الماضي أن المعارضة الإيرانية تحصل علی السلاح المهرب من إقليم كردستان العراق.
ويشير المسؤول الإيراني إستناداً إلی معلومات خاصة إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) ومعها جهاز “الموساد” الإسرائيلي دخلوا علی خط هذه الاحتجاجات بما تسمى “عملية العنكبوت الاسود” وحاولوا تسليح الجماعات المسلحة للسيطرة على بعض المدن في محافظتي كردستان وسيستان وبلوشستان والانطلاق منهما إلی محافظات أخری. وترافق ذلك مع تحريك المعارضة المتواجدة في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وكندا؛ إلا أن عناصر هذه الدائرة اصطدموا بعدم التحام المواطنين في حركة الاحتجاجات ، مما دفع وكالة المخابرات الأمريكية إلی التخلي عن “الخطة ألف” والذهاب إلى “الخطة باء” بعنوان محاولة تغيير “سلوك” النظام السياسي في إيران لينسجم مع متطلبات الدول الغربية غداة الأزمة الأوكرانية.
ولدى السؤال عن نتيجة هذه الاحتجاجات، يجيب المسؤول الإيراني نفسه بالقول إن رسالة المحتجين “وصلت إلى القيادة الإيرانية وهي بصدد دراستها لإعادة صياغة العديد من القوانين وصولاً إلى إتخاذ إجراءات إصلاحية لحل مشاكل المواطنين”؛ أما ما يتصل بالتحديات التي يواجهها النظام، فهي تعطي السلطات الأمنية القدرة علی مواجهتها وتفكيكها بما يخدم الأمن والاستقرار في جميع المناطق الإيرانية.
ولا يتردد المسؤول الإيراني الرفيع المستوى في الإشارة إلى وجود رابط بين مواقف وإيران وما تتعرض إليه من ضغوط “نحن ندرك أن الجانب الأمريكي يريد في نهاية الأمر الضغط علی القرار الإيراني وابتزازه من أجل الدخول في مفاوضات ليس فيما يخص النووي فحسب وإنما في كافة الملفات الشرق أوسطية التي تريد الولايات المتحدة وضعها على الطاولة مع
الجانب الإيراني”، ويختم المسؤول نفسه بالقول “بولتون فشل في تحقيق أمنيته بالاحتفال في ساحة الحرية بطهران عام 2019 وسوف يفشل أيضاً هذه المرة بإقناع الإيرانيين بمطالبه وبأمنية إقامة إحتفال في الساحة نفسها”!


ــــــــــــ