الاثنين - 16 سبتمبر 2024

القواعد القرآنية للمجتمع التوحيدي ح11

الاثنين - 16 سبتمبر 2024

الشيخ طالب رحمة الساعدي ||

رحلة تدبّرية مع خطاب ” ايها الذين امنوا …..” في مضان بعض التفاسير
الحياة الاجتماعية العامة
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ….. المجادلة : 9
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا ….. المجادلة : 11
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى‏ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ …… البقرة : 178
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ……. البقرة : 282
القاعدة العاشرة : النجوى .
«النجوى» و «النجاة» في الأصل بمعنى المكان المرتفع الذي انفصل عن أطرافه و جوانبه بسبب ارتفاعه، و لأنّ الإنسان إذا أراد التكتم على حديثه يعتزل في مكان بعيد عن الآخرين، أو بلحاظ أنّ المتحدّث بالنجوى يريد أن ينجي أسراره من الكشف و يبعدها عن تناول أسماع الآخرين.
ثم أنّ «الإثم» يشمل الذنوب التي لها جانب فردي كشرب الخمر، أمّا «العدوان» فإنّها تعني التجاوز على حقوق الآخرين، و أمّا «معصية الرّسول» فإنّها ترتبط بالأمور و التعليمات التي تصدر من شخص الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باعتباره رئيسا للدولة الإسلامية، و يتصدّى لمصالح المجتمع الإسلامي.
و لأنّ النجوى قد تكون بين المؤمنين أحيانا و ذلك للضرورة أو لبعض الميول، لذا فإنّ الآية تخاطب المؤمنين بكون مناجاتهم في مأمن من التلوّث بذنوب اليهود و المنافقين حيث يقول البارئ عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏.
يستفاد من هذا التعبير- بصورة واضحة- أنّ النجوى إذا كانت بين المؤمنين فيجب أن تكون بعيدة عن السوء و ما يثير قلق الآخرين، و لا بدّ أن يكون مسارها التواصي بالخير و الحسنى، و بهذه الصورة فلا مانع منها.
اي أن يكون تناجيا بالبر و التقوى و البر و هو التوسع في فعل الخير يقابل العدوان، و التقوى مقابل الإثم ثم أكد الكلام بالأمر بمطلق التقوى بإنذارهم بالحشر بقوله: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏».
و لهذا العمل من الوجهة الفقهيّة الإسلامية أحكام مختلفة حسب اختلاف الظروف، و يصنّف إلى خمس حالات تبعا لطبيعة الأحكام الإسلامية في ذلك.
فتارة يكون هذا العمل «حراما» و فيما لو أدّى إلى أذى الآخرين أو هتك حرمتهم كالنجوى الشيطانية حيث هدفها إيذاء المؤمنين.
و قد تكون النجوى أحيانا (واجبة) و ذلك في الموضوعات الواجبة السرّية، حيث أنّ إفشاءها مضرّ و يسبّب الخطر و الأذى، و في مثل هذه الحالة فإنّ عدم‏ العمل بالنجوى يستدعي إضاعة الحقوق و إلحاق خطر بالإسلام و المسلمين.
و تتصف النجوى في صورة اخرى بالاستحباب، و ذلك في الأوقات التي يتصدّى فيها الإنسان لأعمال الخير و البرّ و الإحسان، و لا يرغب بالإعلان عنها و إشاعتها و هكذا حكم الكراهة و الإباحة.
و أساسا، فإنّ كلّ حالة لا يوجد فيها هدف مهمّ فالنجوى عمل غير محمود، و مخالف لآداب المجالس، و يعتبر نوعا من اللامبالاة و عدم الاكتراث بالآخرين.