الاثنين - 11 ديسمبر 2023
منذ 10 أشهر
الاثنين - 11 ديسمبر 2023


د. محمد القريشي ||

قبل عشرين عاما كان طالبا مثلهم في كلية الدراسات التجارية العليا، ويقود اليوم احدى المجموعات الصناعية الكبيرة في العالم “مجموعة دانون” …. إيمانويل فابر يخاطب الطلبة في حفل تخرجهم..
ما هو الشيء الذي ترك اثره بي وانا الطالب الذي تخرج مثلكم من هذه المؤسسة ؟؟
قررت ان أحدثكم عن شخص ولد قبلي بعشرين سنة .. عام ١٩٦٥ تحديدا ..،
ولدٌ صغير مشاكس هرب من الأسرة ووجد عملا بسيطا في مجال البناء في جبال الالب .. يعمل خلال فترة الشتاء في تعبيد الطرق، ولكنه قرر في احد الأيام بأن يكمل دراسته ويحصل على شهادة البكالوريا .. وبعد اول حادثة دخل مستشفى الأمراض العصبية وخرج منها بعد فترة … كان يحب الارض ويحب الزراعة ولهذا قرر ان يتخرج “مهندسا زراعيا” وأصبح هكذا بالفعل…
ولكنه تعرض لوعكة اخرى، دخل بعدها مستشفى الأمراض العصبية مرة ثانية وخرج منها ولكنه فقد عمله !!
لم يعمل مثلكم او مثلي … عمل فلاحا بسيطا .،وأخذ يمضي جل وقته في حديقة المحلة مع آلته الموسيقية، وأصبح صديقا للناس الذين يذهبون الى أعمالهم في ساعات الصباح الباكرة من اليوم، لانه لا ينام بسبب مرضه !! اصبح صديقا لعمال النفايات الذين يعملون باكرا، يقدم لهم كؤوس القهوة… صديق النساء العجائز اللواتي يجدن صعوبة في الحركة، يحمل حاجاتهن بعد العودة من السوق، وصديق لكثير من البشر الذين لا تلتقون بهم أنتم او انا، لأننا نقوم بأعمال لا تتيح لنا فرصة اللقاء بهم !!! وفِي احد الأيام قرر العودة الى قريته في جبال الالب … وهناك كوّن صداقات جديدة مع الفلاحين، وكان يعمل في الصّباح في صناعة الجبن، وينام بعد الظهر بسبب المرض، وفِي المساء يذهب الى نافورة ماء …
كان لديه هاتف قديم يتصل بي كل مساء ويترك لي رسالة اسمع فيها صوت الماء الهادر فقط … يتصل بي أينما اكون : مع الحكومة الصينية حين اتفاوض ، في باريس او برشلونة او اَي مكان اخر …
ارفع سماعة الهاتف واسمع صوتا يذكرني كل يوم، من أي مكان انحدرت انا ( مكاني الأصلي قبل ان اكون في هذا المنصب )!!
وفِي احدى الليالي قبل ٥ سنوات مات وهو يصعد الجبل ..،، كان هذا اخي !!!!
الامر الذي لم أنساه : عندما كنت طالبا هنا في هذه البناية، الطابق الرابع ،وصلني اتصال هاتفي عاجل : “فابر اتصال لك .. تم نقل اخيك الى مستشفى عصبي ،،،،، ” ومنذ ذلك اليوم تغيرت حياتي بشكل كامل …، تعلمت ان أتفاوض مع شخص سلاحه بيده وعقله غائب ..تعلمت ان ابحث عن اشخاص مثل اخي في المستشفيات العقلية وأجيد (لغة المجانين ) واكتشف جمال هذه اللغة، واكتشف بان الحياة التقليدية سجن وان انفتح بفضله وان اعرف جمال الاختلافات … بسببه تعرّفت على حياة المهمشين ونمت معهم ..تعلمت بأنني يمكن ان أعيش مع أشياء قليلة جدا وأكون سعيدا … سكنت في المدن الفقيرة في دلهي، بومباي، نيروبي وجاكرتا وغيرها …كل ذلك ولد عندي قناعة مفادها بانه وبعد سنوات من النمو الاقتصادي، فان التحدي الذي يواجه النمو والعولمة هو ( العدالة الاجتماعية ) … بلا “عدالة اجتماعية” لا وجود لاقتصاد ابدا ..
الأغنياء ، المتميزون (كنحن ) يستطيعون بناء أسوار عالية كما يحدث في السعودية، او اميركا مع المكسيك، او بين أوروبا وما حولها، ولكن ذلك لا يوقف هؤلاء الذين يريدون مشاركتنا في الحياة..،
لا توجد ” عدالة مناخية ” بلا ” عدالة اجتماعية “…..، عليكم الانتصار على تحديات ثلاثة في مسيرتكم المهنية : (السلطة – المال – المجد) …المجد اتركوه لانه سباق بلا نهاية ، المال … قابلت الكثير من الاثرياء اثناء عملي المصرفي وخلال جولاتي حول العالم ..، وجدتهم عبيد للمال الذي حصلوا عليه …. أبقوا احرارا من المال … واعرف الكثير ممن لديهم السلطة ولا يعملون شيئا ويمضون أوقاتهم في الحفاظ عليها ..، لا معنى للسلطة اذا لم ترتبط بقيادة تؤدي الى خدمة الناس والطريقة التي تستخدم لتحقيق الهدف … أكثركم لا يعرف نفسه حقيقة … السؤال : من هو اخيك ؟ من هي اختك ؟؟ من هذا الاخ الصغير (او الاخت الصغيرة) الذي يعرفك اكثر مما تعرف نفسك !! يحبك اكثر مما تحب نفسك !!هذا الصوت الخافت الذي يقول لك بأنك اكبر مما تكون عليه!!! من هم هؤلاء …؟؟ هؤلاء الذين يسمعوك نوطتك الموسيقية الخاصة التي تغير بها سيمفونية العالم …… ولهذا ابحث عن اخيك الصغير ..، ابحث عن اختك الصغيرة !!!! ( يقصد ابحث عن الضعيف كي تصبح قويا معه )
(ترجمة بتصرف)


ــــــــــــــــــــ