سلسة العرفان وخيرات أيام زمان..الحاج تركي هيكل السعدون
إياد الإمارة | |
نشر الأُستاذ الدكتور حامد تركي هيكل السعدون على صفحته في موقع الفيس بوك عن والده الحاج تركي “طيب الله ثراه” عرفاناً منه بجميل والده عليه وكل ما في الوالدين جميل وجميل جداً، وقد دفعني هذا العرفان لأن أكتب في ذات الموضوع مستذكراً الأبوة بشكل عام والمناسبة والفقيد الحاج تركي الذي رأيته فرّاشة بين نخيل قرية الحدادية ولا أزال أراه كتاباً يزين مكتبة والدي المرحوم (حسين عامر) طوال هذه السنين العجاف.
يا دكتور حامد رحل والدي “طيب الله ثراه” وأنا في دار الغربة أطوي الشجى هناك لوحدي بعيداً عنه وعن عماتي النخلات، فعصر الأسى روحي وسالت ادمعاً دافعة بي لأن أقف بين يدي رجل طاعن في السن وطاعن في العلم وعندما شكوت له اليتم شكى لي اليتم هو ايضاً!
أرى في أبيك صورة أبي رحمهما الله..
إمتداد القامة النحيلة..
وسمار المدينة (البصرة) بما فيه من وسامة..
وعينين يثقلهما الوجع المكبوت وخشية الحدقات من الفضيحة..
حبهما للنخيل وللقراءة ولعلي بن ابي طالب عليه السلام..
كتبتُ ذات صباح عن الحاج تركي هيكل رحمه وكيف مد يده يغرف من ماء النهر “الگرمة” ليتذوقه فلما وجده ملحاً أُجاج قرر أن لا “يخرص” ملك الحدادية ويعفي الفلاحين من حقه في تمر نخيله قائلا: هذا الماء لا حياة فيه.
كنتُ أقف خلف والدي الذي يجلس إلى جانب الحاج تركي على جرف النهر وعرفتُ إن هذا “المقعل” يفيح حكمة وأمانة وإنصافا..
ومرة أخرى وجدتُ الحاج تركي هيكل يجلس متربعاً أمام مائدة الطعام يكسوها بنحوله مهابة وهو يتحدث عن علي بن ابي طالب عليه السلام، لا تزال كلماته رحمه الله ترن في مسامعي وهو يقول: علي إمام الإنسانية لأنه إمام الإسلام والإسلام دين الإنسانية..
ألم يقل الحق تعالى في القرآن الكريم “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ”؟
لم يقل هدى للمسلمين من السنة أو الشيعة، ولم يقل هدى للمسيحيين أو اليهود، بل للناس جميعاً..
هذا الحاج تركي قبل أكثر من أربعين عام..
حينما رحل والدي رأيتُ بيتنا في المنام بنخلة واحدة..
كان أبي قد غرس في بيتنا الجديد “برحيتين” نقلهما من راحتي الحاج تركي هيكل من أرض “الحدادية”، رأيتُ إحداهما في المنام وقد أُجتثت من أسفل جذعها ففزعتُ مرعوباً على فقد “برحية” بيتنا الباسقة التي كانت تظللنا حكمة ورحمة..
هل تعلم يا دكتور ما علاقة هؤلاء الكبار بالنخل؟
حتى رسائلهم، وهواجسهم، وعواطفهم، كانت من بين الجذوع..
رحلوا وشيء من تيجان عماتنا على رؤوسها وتتوقف رحلة الحياة فوق حبات هذه المدينة الرخوة لا لأن حياة هؤلاء الأطايب قد توقفت ولكن لأن البصرة بلا نخيل من بعدهم.
٢٦ آذار ٢٠٢٣