بَوَّابَات اَلْعَالَمِ اَلدِّينِيِّ وَالْعَالَمِ اَلْغَرْبِيِّ !
كندي الزهيري||
إن بوابة الدخول إلى العالم الديني، هي العبودية، وبوابة الدخول إلى العالم الغربي هي الأنانية . ومن غير الممكن الخروج من العالم الغربي، إلا إذا خرج المهاجر إلى الله من بوابة إنكار الذات. في الحقيقة فإن قمقم عمر هذا الغول، هو إنكار الذات شريطة أن يحدث إنكار الذات هذا، في الحال لا في هيئة اللفظ.
إن الشهادة اللسانية، لا تعني أبدا الشاهد على عالم الايماني. وليس عجيبا ان تحدث الهيمنة التدريجية للثقافة الغربية على البلدان الإسلامية، في وقت كان يسمع صوت الأذان من جميع مكبرات الصوت لديهم؟ .
إن جملة رينية ديكارت المعروفة(انا أفكر. إذن أنا موجود ) مبنية على المراجعة وتسليم الإنسان إلى ذاته، وما أدرى إلى ظهور عالم نطلق عليه أسم ( العالم الغربي ). إن هذه الجملة القصيرة مؤشر على التطور في داخله. فقد ولج ديكارت عالما جديدا. إن هذه المراجعة، أسهمت في كشف معرفة جديدة بشأن العالم والإنسان، والمعرفة التي كانت تستند بالكامل إلى الانطباع الكمي، عن الزمان والمكان، وقلصت من مكانة الإنسان إلى درجة حولته إلى سلعة استهلاكية، وأضيف عليه هيئة الكمية الهابطة البحتة، أن هذا الحادثة لم تكن مسبوقة قبل هذا، في اي حقبة من حياة البشرية.
وبذلك أفرغ العالم والإنسان من الإعتبار(القدسي ) ،وأضيف الجزمية على التجربة الحسي ، لدرجة أن الإنسان رأى أنه في غنى عن الرجوع، إلى أي معرفة أخرى لدرك العالم ومعرفته.
إن التغير الكبير في عقلية ودرك الإنسان الغربي عن العالم، أدى إلى انبثاق مفاهيم جديدة لكل شيء، فالإنسان الغربي، وبهذا الدرك الجديد، والمفاهيم ومستمدا من تلك القوانين الجديدة، أقدم على اختلاق أدب جديد وادبيات جديدة لكي يوسع نطاق عالمه الجديد.
إن الذاتية التي شكلت أساس ذلك، اي الأنانية؛ اعتبرت قاعدة جديدة للمعرفة، وتركت على مدى أربعة قرون أثرا معمقا على الحياة الثقافية والمادية لشعوب العالم، بحيث أن العالم التجريبي أصبح رافع راية العلم بحقيقة الأشياء ، وأن جميع أبناء البشر، في أرجاء العالم يسيرون في هذا العلم، ويتنفسون في هوائه، ويضحون على عتبته بجميع انطباعاتهم ومواريثهم وتقاليدهم الدينية، وهم عاقدو العزم على حفظه وديمومته والسير فيه، وقد بدت اليوم آثار اتصدع على جدران هذا العالم، لكن ما زالت معارضة هذا الصرح ، لا يحبذها الكثير.
من غير الممكن اعتماد استراتيجية إنكار الذات، فعندما لا نعرف شيئا ما ، كيف يمكن لنا أن ننبذه؟ ، وقرابه أربع قرون حملت جماعة من الناس، فأسا تضرب به وجه ورأس الغرب، لكن لا حدث كبير يحدث، حتى في الرقعة الصغيرة للمدينة والقرية .
ومن يوجه هذه الضربات؟ وكيف يضربون؟ وأي نقطة يستهدفون؟ وحتى إن انهال الجميع في ظل السلام والصلوات والتحلي بالأنماط الدينية، بالضرب بواسطة هذا الفأس، لكنهم لا يعرفون أي كائن وبأي أبعاد وأوجه يواجهون، فإنهم لن ينالوا النتيجة المرجوه التي ينشدونها.
فقد تلقى الشرق، خلال القرون الأخيرة أكبر قدر من الأضرار، القادمة من الغرب، . إن هرطقات التاريخ الجديد هاجمت جميع التقاليد الشرقية وجعلتها عرضة للزوال، وانتزعت منها بذلك كل فرصة للظهور والبروز، ففي الظروف التاريخية الجديدة التي طرأت، فإن الإسلام يجعل سكان هذا الجزء اشاسع من الكرة الارضية ، جاهزون للتحقيق في الوضع الطارئ، لان المسلمين وبسبب امتلاكهم انصع واطهر التقاليد الانطباعات عن العالم، اكثرهم من باقي سكان الشرق جهوزية لطرح السؤال، فيما توفر الانطباعات الأصلية للمسلمين والنابعة من الساحة المقدسة، لحقيقة كتاب الله وسنة النبي الأكرم(ص) ، إمكانية الرجوع إلى باطن العالم وبداية الوجود وحقيقتهما، وبما أن آيات كتاب الله وسنة آل الله عز وجل، تحوي وتحمل حقائق، نازلة في هيئة الكلام والكلمة من الساحة القدسية، وتشرف على ذلك العالم، فإنها توفر إمكانية الرجوع إلى باطن وحقيقة العالم وبداية الوجود.
وليس ثمة كلام لدى أي من أمم الشرق، اكثر قربا من مكمن الغيب، لأن مجمل هذه الأعمال وحسب والوقائع غير الروحانية والحرفة، مدنسة بالانتقائية والخرافة، بحيث أنه في تقاليد الشرق الأقصى مثل (اليابان ) ينطوي مذهب ( شنتو) ” وتعني طريقة الآلهة وتعتبر هذه الديانة الشمس بوصفها الإله اماتراسو حارس الأرض الأجداد، وأن الأسرة الملكية هي سليلة هذا الإله وتجسده” ، على الجهوزية لتقبل الغرب الانطباعات الدنيوية والعلمانية ، الجهوزية التي تجعل من الممكن تحويل اليابان إلى بلاد غربية بسهولة، كما أن التقليد الديني للمسلمين، يحتوي أكمل جزء من الرؤية الدينية واوجهها المختلفة، وأن علماء هذه الديانة يسهمون أكبر إسهام في تبيان وتفسير ونقل هذا التقليد، لذلك فإن التزام مثقفي هذه الديانة، يبدو أكثر من الآخرين، لكن يجب معرفة أن هذا التعهد إلا يتحقق فقط في ميدان التتبع البحوث الدينية، وأن كان بالاستعانة
بالميثودولوجيا الغربية، التي هي مدينة بالكامل للمذهب العقلي والوضعية البرغماتية .
إن الدخول إلى قلعة الإسلام المحمدي الأصيل، هو النجاة من الغول الثقافة الغربية المبنية على حب الأنانية والزيف الوجودي.