هل يخاف المسيحيين في لبنان على مستقبلهم ومصيرهم الوجودي فيه ولماذا؟.
د اسماعيل النجار ||
دائماً ما يتقدَّم اليهود حصراً علينا بتفكيرهم الطويل الأَمَد والتخطيط لمئات السنين إلى الأمام،
المسلمين السُنَّة على سبيل المثال حسب إعتقادهم أن الحياة تسير بواقعها اليومي وأن الإنسان عليه أن يوفي ربهُ ما عليه من واجبات وأن يَعمل صالحاً لمرضاته وليلقىَ الله بقلبٍ سليم، وليست لدى المسلم السُنِّي في الزمن المُعاصر الحديث أيَّة أيديولوجيا سياسية تدفعه للتفكير في السيطرة على العالم او نهب ثروات الآخرين أو الهيمنة او غير ذلك من الأطماع الدنيوية المعروفة،
إذاً المسلم السُنِّي يعيش في لبنان كما يعيش إخوانهُ في جميع دوَل العالم هدفه العيش بسلامٍ وأمان،
بخلاف الوهابية التي تروم بعكس ما تطمح إليه العقيدة المذهبية السُنِّيَة، فمنذ تأسيس هذا المذهب وإحياء فتاوَىَ إبن تَيميَة وطموح أتباع هذه العقيدة المغلفة بالإسلام والمَحشُوَّة بالتكفير والإجرام وجُل ما يصبون إليه هوَ إرضاء الأميركي والبريطاني والصهيوني لأجل السُلطَة والمال وملذات الحياة،
واليوم عندما جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبدأَ بتدمير هذا المذهب داخل مملكتهِ واعتقال دعاته ومعتنقيه بهدف القضاء على المؤسسة الدينية التي تشكل خطراً سياسياً داهماً عليه وعلى مستقبلهِ السياسي، رأى البعض أن الرجُل قَدَّمَ خدمَةً كبيرة للبشرية لا بَل للإنسانية جمعاء،
أما الشيعة في العالم فهُم يختلفون عن السُنَّة في العقيدَة والطروحات، فالمذهب الجعفري الإثنَي عشري يؤمن ويعتقد بوجود الإمام الثاني عشر على قيد الحياة ولا بُد من ظهورهُ لتأسيس دولتهُ الواحدة المُوَحدَة على وجه الأرض وبسط العدل بين الناس والقضاء على الشِرك، ولهذا الظهور عَمَل الشيعه طيلة 1400 سنة خِفيَةً وتَقِيَّة والآن يعملون بشكلٍ ظاهر وجَلي في بناء المقدرات وتأمين المُقَوِّمات وتمهيد الأرض لظهور الإمام المنتظر (عجَلَ الله) فرجه الشريف، وهُم يعملون ليل نهار في كل أرجاء المعمورة لأجل هذا الهدف علناً وليسَ خِفيَةً، أما في لبنان يعتبر الشيعه أنفسهم بأنهم أوَّل وأسرعَ مَن بَنَىَ القُوَّة والجيش الذي سيكون جزء من تلك الدولة المعهودة والمنتظرة،
لكن… في السياسة الداخلية اللبنانية طَمئَن الشيعه شركائهم في الوطن أن هذا القُوَّة ستُثتَسمَر في الوقت الحالي لحماية لبنان بعدما حَرَّرَت الأرض وحَمَت العَرض وهزمَت الإرهاب، وحماية حقوقهِ وثرواتهِ من أطماع إسرائيل والغرب ولن تكون إلَّا في خِدمَة أبناء الوطن وسيكون لها دور مستقبلي في تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني الغاشم،
المسيحيين في لبنان أوَّل مَن أخطأ بالتعامل مع هذه القوَّة المحلية والإقليمية الصاعدة، لأنهُم أوَّل مَن تعَهدَ أمام الغرب بشيطنتها والإساءَة إلى سمعتها رغم تسامحها مع البعض منهم !
حتى أنهم في عِز تحالف هذه القُوَّة العسكرية مع جزء كبير ومهم من المجتمع المسيحي إلَّا أنه كانَ بين الفَينَةِ والأخرىَ يتفَلَّت البعض منهم عن قصد أو غير قصد ويقوم بمهاجمة سلاح هذه المقاومَة،
هذا الفريق لَم يَعُد اليوم حليفاً لحزب الله وهو متموضع بعيداً عنه قليلاً وعلى مَقرِبة من الضِفَة المعادية الأخرى حيث بدأَ يتنفس تقريباً نفس الأوكسجين الإنعزالي القديم بعدما ظَنَّ المسلمون في لبنان أن بعضاً من المسيحيين قد خرجوا من جلباب الإنعزالية إلى ما تحت سقف الهوية الوطنية،! ولكن الظاهر أن الخطأ في الحسابات كانَ كبيراً جداً بإستثناء القليل القليل من الوطنيين منهم الذين نحترم ونجِل لا زال وطنياً بإمتياز،
اليوم وتحديداً بعد إستفراغ قادة المسيحيين في الوطن لكل ما في جوفهم من أحقاد بسبب عدم تقديم الساعه حسب التوقيت الصيفي وتوتير الرأي العام والتحريض المذهبي والطائفي، وتوزيع البعض لفيديوهات يقوم بتحديد وجه لبنان على أنه مسيحي ويهددون المسلمين فيها!،
وثُمَّ تصريح رئيس الحكومة في إحدى مقابلاته أن المسيحيين عموماً في لبنان لا تتجاوز نسبتهم أل 19٪ من مجموع سكان لبنان الأصليين، وأعتبروها رساله أو تهديداً لهم أو تحذير بأن المناصفة التي يحظون بها من الممكن أن تصبح في يوم من الأيام بنظر المسلمين هَيمَنَة غير مُحِقَة أو مشروعة وإستيلاء غير مبرَر على حقوق الغير والمطالبة بإحصاء وأخذ كل فريق حسب وزنِه ما يستحق،
إذا كان كل هذا ما يعتقده القاده الروحيين والسياسيين للطائفة المسيحية في لبنان التي جَرَّبَت أكثر من مرَّة ولمست أن ما يستطيع فعله الغرب لهم هوَ تأمين سُفُن لترحيلهم إلى خارج لبنان في مخطط قديم جديد، لماذا لَم يكونوا أذكى وأدهىَ من اليهود ويخفضون سقف مطالبهم العالي ويأخذون بيَد شركائهم في الوطن نحو بناء دولة علمانية بعيدة كل البُعد عن الطائفية والمذهبية تصُب في مصلحة وجودهم ومستقبلهم، بدلاً من التجييش والتهديد والوعيد ورفع سقف المطالب والتماس العون من الخارج وشيطَنَة شركاؤهم ولن يفيدهم هذا بشيء!،
بكل الأحوال حسب اعتقادنا كان يجب على المسيحيين الإستفادة مما قاله وخطط له الإمام المُغَيَّب موسى الصدر وأن يكون لبنان وطن نهائي لكل أبنائه من دون تمييز، وأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ويجب إستبعاد كافة المراجع الروحية عن الساحة السياسية تحت التهديد بالعقاب، وتغيير المناهج التربوية من أجل خلق جيل جديد بعيد كل البُعد عن المذهبية، وتنقيح كافة الكُتُب من الحشوات التي لا نفع منها، ومنع تدريس مادة الدين في المدارس نهائياً وأن يكون هناك فصل بين المدارس الرسمية والدينية في لبنان،
ويجب الإعتراف بأن القوة الشيعية العسكرية دائماً كانت في خدمة الوطن وأبناؤه،
وإلَّا في ظل إتباع هكذا سياسة فإن لبنان لن يكون بخير ولن يُسمَح لأحد بإجتزاء قسم منه وإعلان دولة وسيدفع المسيحيين الثمن بكل تأكيد،
ارجوا فهم الأمور من باب التوضيح والنصيحة لأن ما حدا بهالدنيا شَلَّش وضل متل ما هو؟
بيروت في…
31/3/2023