الأربعين وجذورها الأسطورية والعلمية..ولدت واستمرت..!
علي عنبر السعدي ||
– اربعينية الحسين تجاوزت التاريخ ،وحررتْ الجغرافيا .
احياء ” الأربعين ” تعود في أصلها إلى معتقد سومري / بابلي ، أشتق من ظاهرة في الطبيعة حيث الأيام الممتدة من 21 كانون أول إلى نهاية كانون ثاني التي يطلق عليه الأربعينية أو المربعانية ، يكون فيها فصل الشتاء قد بلغ ذروته في كثافة تساقط الأمطار وهبوب الرياح الباردة – خاصة في العراق – وقد اعتقد السومريون والبابليون إن الإله الموكل بالمطر والعواصف هو إنليل (3) كبير آلهتم بعد ( آنو ) إله السماء ، من هنا نسبوا تلك الأيام الأربعين إلى الإله الماطر الذي ينشط في مثل هذه الفصل من السنة ، اعتقاداً منهم بأنها مفضلة لديه، ومن ثم جعلوا منها رمزاً مباركاً تيمناً بالاعتقاد المذكور .
كما ينسب كذلك إلى المعتقد القائل بأن روح الميت تبقى تطوف في منزله مدة أربعين يوماً قبل أن تفارق بشكل نهائي ، إيحاءً بأنها تنتظر في أربعين الإله المباركة ، كي تستقي مما يرسله إنليل أو ما يُعوض عنه ، وربما من هنا جرت العادة المعروفة منذ عصور ماقبل الميلاد ، التي تقضي بإحياء ذكرى الميت بعد أربعين يوماً على وفاته ، بما يتخللها من طعام يوزع أو يؤكل على رحمة روحه ، كي تكون رحلته آمنة ومباركة نحو الأبديّة .
أما المقابل العلمي ، فيُعتبر بلوغ سنّ الأربعين بالنسبة للإنسان ، الحدّ الفاصل بين انتهاء مرحلة الشباب حيث الحيوية الجسدية والاكتساب الروحي والعقلي ، وبداية مرحلة الشيخوخة حيث النضج في الروح والعقل ، والميل إلى التأمل بعد تحقيق الاستقرار المعيشي والعائلي ، وتمتد بركات ” الأربعين ” لتشمل الطفل الوليد حيث من المتعارف عليه علمياً إنه بعد أربعين يوماً من ولادته ،يبدأ بتحديد ملامح وجه أمه والتعرّف عليها ،وفي الأيام عينها ، تكون بعض النساء من الأمهات قد استعادت دورة الخصب الشهرية بعد توقفها طوال أشهر الحمل ومايتبعها في المرحلة الأولى من الرضاعة بأيامها الأربعين ، حيث يكون حليب الأم أكثر غزارة وعطاءً.
الاحتفالية الكبرى بأربعينية الامام الحسين ، تجاوزت كل هذه الاقتباسات ،كما تعدت التاريخ ،فحررت الجغرافيا وتحولت الى مفهوم بذاتها ، يشكّل هوية روحية اجتماعية ،وبحثاً عن دور حضاري ، في عالم بات يبتعد عن مفاهيم الحضارة ويتجه نحو التوحش .