المتشددون (٣)
محمد عبد الجبار الشبوط ||
تؤدي المرجعية الدينية في النجف الاشرف دورا رياديا في اشاعة الاعتدال والحد من التطرف والتشدد في المجتمع العراقي خاصة والمجتمعات الاسلامية عامة.
تؤكد المرجعية على الاعتدال و العدالة والمساواة والتسامح واحترام حقوق الإنسان ونبذ العنف والتطرف والتشدد. كما تقوم بالمراقبة ومراجعة الخطاب الديني والتدخل في القضايا الساخنة للحد من انتشار التشدد المذهبي والأفكار المتطرفة.
واحدة من الأمثلة البارزة لدور المرجعية الدينية في النجف في مكافحة التطرف والتشدد هو دورها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). قامت المرجعية الدينية بإصدار فتاوى دينية تدين تنظيم الدولة الإسلامية وتجرم أعمالهم الإرهابية، وابرزها فتوى الجهاد الكفائي للرد على عدوان داعش. كما دعت إلى تضافر جهود جميع المسلمين والمجتمع الدولي لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي.
وبشكل عام، تعمل المرجعية الدينية في النجف على نشر رسالة السلام والتسامح والاعتدال في الإسلام، وتعزيز التعايش السلمي والتعاون الاجتماعي. يعتبر دورها حاسمًا في تشكيل الرأي العام وتوجيه المجتمع في اتجاه الاعتدال والتوازن الديني.
ولمرجعية الامام السيد علي السيستاني في دور مهم في هذا المجال. يعتبر السيستاني واحدًا من أبرز المراجع الشيعية في العالم ولديه تأثير قوي على المجتمع الشيعي والمسلمين بشكل عام.
اعلن السيستاني العديد من الفتاوى التي تدعو إلى السلمية والتسامح ومكافحة التطرف والتشدد. أشهر تلك الفتاوى كانت بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، حيث دعا السيستاني إلى ضبط النفس والالتزام بعدم الرد على العنف والانتقام. دعا أيضًا إلى ضرورة إعادة بناء البلاد وتوحيد الجهود للحفاظ على السلم والاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك، دعا السيستاني إلى الوقوف ضد التطرف والتشدد والجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
يسعى السيستاني لنشر رسالة التعايش السلمي والتسامح بين الأديان والقوميات، ويدعو إلى اقتناص الفرص السياسية والاجتماعية لبناء مجتمع مزدهر و متسالم مع نفسه ومع العالم. يؤكد على أهمية العدالة واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الفقر والظلم.
وخلال السنوات العشرين الماضية ركز السيستاني على النقاط التالية:
1. تعزيز مفهوم الدولة الحديثة: يركز السيستاني على أهمية بناء دولة حديثة بناءً على الدستور ومفهوم المواطنة. يتطلع إلى تعزيز حقوق المواطنين وحمايتها وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد والديمقراطية الحقيقية. ويلاحظ هنا ان السيستاني لم يزج نفسه في الجدل والنقاش السياسي الديني حول مصطلحات الدولة الاسلامية والدولة العلمانية وغير ذلك، وانما اكد على ان الشعب هو مصدر الشرعية.
2. حاكمية القانون: يرى السيستاني أن حاكمية القانون هي أساس استقرار المجتمع وتحقيق العدالة. يحث على احترام القانون وتطبيقه على الجميع بدون تفرقة من خلال نظام قضائي مستقل ونزيه بعيد عن التدخلات السياسية.
3. ضبط النفس في النزاعات الداخلية: يدعو السيستاني إلى ضبط النفس وعدم اللجوء إلى العنف أو الانتقام في حالات النزاعات الداخلية. يؤكد على أهمية استخدام الحوار والتفاوض لحل الخلافات وتحقيق السلم والاستقرار.
4. المشاركة السياسية: يشجع السيستاني المسلمين على التشارك الفعال في العملية السياسية بشتى الوسائل المتاحة، بما في ذلك التصويت والمشاركة في الانتخابات وتأسيس الأحزاب السياسية وإبداء الرأي والحوار البناء. يعتقد أن المشاركة السياسية الفعالة تعزز القدرة على صناعة قرارات مؤثرة وتعبر عن مصالح الشعب.
5. التعايش السلمي: يعزز السيستاني مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين والأقليات الدينية والعرقية في المجتمع. يدعو إلى تعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم والتعاون بين الأديان والثقافات المختلفة واحترام حقوق الأقليات.
6. محاربة الفساد: يرفض السيستاني بشدة الفساد ويطالب باتخاذ إجراءات صارمة لمحاربته. يعتبر الفساد جريمة تهدد استقرار المجتمع ويجب مكافحته بشكل جاد من خلال إصلاح النظام الحكومي وتعزيز الشفافية والحكم الرشيد.
7. محاربة الغلو في المعتقدات الدينية: يحذر السيستاني من التطرف والغلو في المعتقدات الدينية ويؤكد على ضرورة التمسك بالوسطية والاعتدال في الدين. يدعو إلى تعميم ثقافة التسامح والاحترام بين المسلمين ومعارضة الأفكار المتشددة التي تثير الانقسام وتهدد السلم الاجتماعي.
جهود السيستاني في هذه النقاط عكست رؤيته لبناء مجتمع يسوده العدل والاستقرار والتسامح والسلمية، ولهذا السبب تُعد المرجعية الدينية للسيستاني من الأصوات المؤثرة في العالم الإسلامي ولها تأثير جوهري في تشكيل المجتمع ومحاربة التطرف.
تم