الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024

الملاحظات والدروس التي أكّدتها المواكب العراقية 

منذ سنة واحدة
الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024

 

محمد صادق الهاشمي ||

 

من خلال المتابعة والرصد ودراسة التطوّرات  في حركة المواكب والمشاهد والآثار التي تركتها الزيارة الاربعينية  والنتائج التي انتهت إليها الزيارة وحركة المواكب خلال الأعوام السابقة نخرج بالملاحظات التالية:

أوّلاً:  ثقافة المواكب ثقافة المقاومة :

من خلال الشعارات والأعلام  والثقافة الراسخة للشعب العراقي والرايات الحشدية والملصقات وصور الشهداء  والقصائد نجد أنّ أغلب المواكب ثقافتها ثقافة مقاومة، وأنّها تدافع عن النهضة الثورية الحسينية ، أي التي تثبت حقوق المسلمين، وترفض الانصياع إلى معكسر الذلّ، وأنّها حركة  تهدف إلى تحويل الزيارة الأربعينية إلى ثورة شعبية لاثبات وجود المسلمين، وعدم إبقائها بحدود الزيارة والشعائربل تعبر عن حركة الامة نحو التحرر والاستقلال والدفاع عن حريم الاسلام ، بل الكُلّ يؤمن أنّها فرصة للدفاع عن حقوق المسلمين في العالم والدفاع عنهم والتعريف بمظلوميتهم، وخصوصا قضية الشعب الفلسطينيّ، ولئنْ أُفرغت حركة الزيارة  من محتواها الثوريّ الحركيّ والتي من خلالها يتمكّن المسلمون من المطالبة بحقوقهم ورفع أصواتهم ضدّ الطغيان  فان كربلاء تكون مجرد حدث مجرد من الروح والاهجاف فإنّ المسلمين يجدون في كربلاء الفرصة لإظهار صوتهم والدفاع عن حقوقهم.لهذا وصف الامام الخامنئي حركة الاربعين انها (حركة المسلم المقام الذي يستمد من ثورة الحسين ع الجهاد والتضحية والدفاع عن الاسلام ومواجهة الطغيان ))

ثانيا: النشاط الاجتماعيّ للمواكب :

حركة المواكب وإنْ كانت حركة في خدمة الزائر الحسينيّ، إلّا أنها تركت آثاراً إجتماعية كبيرة في العراق، وبين العراقيّين وشعوب العالم، إذ استطاعت أنْ تعمّق التعارف بينهم، وتوجد العلاقات الإجتماعية والروحية الكبيرة، وخلقت فرص التواصل بين الشباب في العالم الإسلاميّ، والمؤسسات  والجهات الرسمية والمؤسسات والعتبات والتجّار والفنانين والشعراء وغيرهم.

لقد كان الكثير من المجتمعات تجهل معرفة المجتمعات الأخرى، وتشعر بأنّها بعيدةٌ عنها، وغريبة عن عاداتها، وبالتالي هي ليس محلّ تفاعل معها، بينما اليوم أصبح المسلم العراقيّ واللبنانيّ والبحرينيّ والسوريّ والآسيويّ والأفريقيّ وغيره أخوة يجمعهم حبّ الحسين(عليه السّلام)، بل حتّى المسلم داخل العراق تعرّف على أقوام جدد من الداخل العراقيّ، وقد وفّرت هذه المواكب فرصةً ليتدارس المسلمون همومهم، ومصيرهم، وحوّلوا كربلاء إلى منصَّةٍ لعكس مظلوميتهم وتحرّكهم وجهادهم ونضالهم لنيل حقوقهم.

المواكب لم توفّر فرصة لشيعة آل البيت (عليهم السّلام) ليتمكّنوا من الزيارة فحسب، بل وفّرت فرصةً كبيرة للشخصيات المهمّة في العالم من فنانين وسياسيين ومثقّفين وأكاديميين وقادة كبار وثوار وحركات تحرر ومصوّرين ورسامين وشعراء بأنْ يفدوا إلى أرض كربلاء ويتعرفوا على مساحات اجتماعية واسعة  وتلك خدمة تقدمها المواكب بأنْ تكون منصّة من خلالها يطّلع القطاع النخبويّ العالميّ على كربلاء ونهضة الشيعة، وعليه فمن نتاجات المواكب التقاء الطاقات، وتلاقي الخبرات والتعرّف على كبار الشخصيات في مختلف المجالات، وهذا  ماشهدناه من توافد الشخصيات والنخب إلى كربلاء. ونؤكّد أنّ المواكب قد عملت على إزالة الكثير من آثار العزلة والغربة، والآثار السلبية الإجتماعية، والفوارق والطبقية التي أوجدها الطغاة خدمة للغرب والاستكبار.

ثالثا: المواكب توالى الحشد الشعبيّ:

يوجد ولاءٌ كبيرٌ لدى أصحاب المواكب للحشد الشعبيّ، وهذا ماتعكسه الأناشيد والشعارات ورفع صور الشهيد أبي مهدي والشهيد سليمانيّ، بل وجدنا وبتقييم عالٍ ودقيق أنّ الحشد قد خرج من رحم المواكب والزيارة الاربعينية ،وبالتأكيد أنـّه خرج من رحم هذه الأمّة، وتتعمّق اللحمة بين الحشد وبين المواكب والامة ، كُلّ عام خصوصا في الزيارات حينما يوفّر الحشد الدفاع والأمن والحراسة والخدمات والحضور في  المواكب .وبالتالي ان الزيارة الاربعينية فرصة احتضان الامة لحشدها .

رابعا: أصحاب المواكب والاستعدادات المبكرة :

لا يمكن أنْ نعتبر الموكب أمراً سهلاً، وهو مجرّد خيمة أو بناء حسينية، وتوفير أطعمة، بل يحتاج إلى جهود لوجستية تفصيلية تتعلّق بالمكان، ووسائل النقل، وتوفير المال والأطعمة والكوادر الخدمية، وغيرها من التفصيلات؛ لذا من المهمّ جدّاً أنْ نسجّل أمراً في غاية الأهمّية، وهو أنّ الاستعداد الشعبيّ العراقي  الذي يقوم به عموم الناس للمواكب لا ينطلق من شهر صفر أو محرّم، بل نجد أنّ الأسر في العراق والعشائر تقوم بالاستعداد طيلة العام من جمع المال وتوفير الطعام والخيم وشراء الأغذية وتربية المواشي، وتوسيع الحسينيات، وترميم البنايات. وهذا ان دل فانه يدل على رسوخ الثقافة الحسينية لدى امة الشعب العراقي .

خامساً: المواكب وحركة مراكز الدراسات والاستطلاعات والنشاطات الثقافية  :

إنّ أعداد الزوّار كما هوملاحظ في تزايد بفعل الإعلام الكبير الذي ولّدته هذه الزيارة، وتلك الحركة، فمن الطبيعيّ أنْ تمسّ الحاجة إلى دراسة هذه النهضة  من مختلف الجوانب المادّية والخدمية والإعلاميّة، وهذا الأمر لابدّ من الالتفات إليه؛ كون الأربعين بكُلّ أبعادها وأهدافها ونتائجها لا تنجح إلّا بفعل تلك المواكب الحسينية.

وقد قامت العتبة العبّاسية بتقديم دراسات مهمّة عن حركة المواكب، ورصد للأعداد، ومعالجة المشاكل، والتطورات الحاصلة في أعداد الزائرين، فضلا عن التشجيع على عقد الموتمرات لاجل  الكتابة واعداد البحوث،  عن المواكب، وقد عقدت العتبات عموما منذ عام 2006م إلى حين إعداد الكتاب أكثر من (23) مؤتمراً وندوة عن المواكب وغيرها قبل وبعد الأربعينية، وبالفعل هناك العديد من البحوث عن المواكب تناولت الجانب الاقتصاديّ والتاريخيّ والسياسيّ والمذهبيّ والاجتماعيّ وغيرها وهي في غاية الأهمّية .

سادساً: المواكب مظهر لعمق وأصالة النوع التراثي العراقيّ:

نجد بعض المؤسسات في العراق اليوم، وعبر تاريخ العراق القريب تُظهر التراث الثقافيّ العراقيّ على أنـّه عاداتٌ وفلكلورٌ وأعرافٌ وأزياءٌ شعبية مجردة عن الاتصال بالتراث الحسيني ، ولم تُظهر الموروث الحسينيّ، وكرم الشعب العراقيّ، وولاءه العميق، وتضحياته في سبيل الله، وتاريخه المقاوم، وثقافته الحسينية؛ لذا تعهّد الموكب الحسينيّ إظهار حقيقة ثقافة الشعب العراقيّ،وقيمه وأصالته بما لا يمكن لأيّ مؤسسة أو قصيدةٍ أو حدثٍ فنّي أو أيّ وسيلةٍ أنْ تُظهر واقع الشعب العراقيّ على حقيقته بما يُبهر العالم، ويجعل من سلوكه التعبويّ الحسينيّ الشعبيّ في مسيرة المواكب مدرسةً يمكن أنْ تستلهم منها الأجيالُ الدروسَ والعِبر .

وأكثر من هذا أنّ (التفنن التراثيّ العراقيّ) ظهر بجلاء في الأربعين وانتشر حتى وصل إلى مساحات سكانية ربّما بلغت نصف سكان الكرة الأرضية، فالشاي العراقيّ (شاي أبو علي) و(الدلّة والفنجان)، و(مواقد الحطب)، و(الأكلات العراقيّة الشعبية)، وطريقة الترحيب التي يمارسها أصحاب المواكب من: (تفضّلْ يزاير)، و(هله ومرحبه يزاير) والتوسّل قد بلغ حدّ تقبيل الأيدي والأرجل، (تعال يزاير)، (تغده يزاير)، هذه الأخلاق والموروثات هو اليوم أوسع انتشاراً، وأدقّ وأنقي صورة. نعم انه  موروث وتاريخ نابع من التاريخ الاصيل والذي قدم لاجله الشعب العراقي الغالي والنفيس .

سابعاً: المواكب وحركة جهاد التبيين:

حينما نقرأ خطب الإمام الخامنئ، وندقق في الجوانب التي ينبغي للمؤمنين أنْ يتحدّثوا عنها كجزءٍ من جهاد التبيين نجد أنّها متوفّرةً في حركة المواكب؛ كونها حركةً تتضمّن الردّ الفطريّ على الشبهات والدفاع عن الإسلام من (( الشذوذ الجنسي)) والرد على ((حرق القران ))بتوجيه من المرجع الاعلى السيد السيستاني ، وهي مدارس لتربية الأجيال علي حبّ ومنهج آل البيت(عليه السّلام).

فكُلّ المبادئ والقيم التي نادى المرجع السيستاني والمرجع  الخامنئي بها لتأكيدها متوافرةٌ في مسيرة الأربعين؛ فتلك المواكب ردٌّ على الغرب، وعلى مَنْ يدّعي إنسانيته، وهي فرصةٌ لتوفير المناخ للشباب حتّى يتعرّفوا على منهج الحقّ من الباطل.

وحينما يتحدّث الإمام الخامنئي عن المفاهيم العملية في التبيين  فإنّ المواكب هي من تترجم المفاهيم (النظرية) إلى (عملية)، وهكذا محور الاهتمام بالشباب، وإشراكهم في المظاهر الدينية فضلا عن المفاهيم الأخرى وإبرزها ربط الشباب بالمنهج الثوريّ، والخدمة العملية للحسين (عليه السّلام)، وإيجاد الفرص لهم لاثبات هويتهم الإسلامية من خلال السير بمسيرة الأئمّة الأطهار وغيرها من المفاهيم.

وقد كُتبت الدراسات العديدة  المهمّة، والتي تشير إلى أنّ الزيارة الأربعينية هي أحد أهمّ الأدوات الناعمة لتربية الشباب، والردّ علي الحرب الناعمة الغربية بكُلّ أبعادها،وقد وجدنا من خلال الدراسات المتينة والرصينة أنّ ظاهرة التديّن في الشعب العراقيّ، وانتشار الحجاب، والحفاظ علي القيم الإسلامية العالية التي يتصف بها الشعب العراقيّ مردّها إلى التفاعل الشعبيّ الواسع عبر التاريخ مع ثورة الحسين(عليه السّلام)، والتضحيات التي قدّمها الشعب العراقيّ، وتربيته تحت منبر الحسين (عليه السّلام)، ومن هنا نجد أنّ البرامج الغربية عبر التاريخ من البريطانية والأمريكية وغيرها التيتهدف إلى تحطيم هوية الشعب العراقيّ الإسلامية كلّها قد باءت بالفشل؛ لارتباط هذا الشعب بتلك المدرسة الحسينية، وما توفّره الشعائر والمواكب من فرصةٍ لإفشال مناهج الغرب والبعثيين وأصحاب الأفكار الإلحادية والشيوعية، مع أنّ الغرب عمل وبذل الجهد الكبير من خلال المنظّمات المنحرفة.