الاثنين - 14 اكتوبر 2024

المسوؤل والجفاف الروحي ..!

الاثنين - 14 اكتوبر 2024

الشيخ الدكتور محمد رضا الساعدي ||

عندما ملاحظتي لبعض من انشغل بمسوؤلية تنفيذية او تشريعية في الدولة او غيرها يعاني من امر مهم وهو عدم التوازن والتوفيق بين حياته العملية وحياته العبادية وعلاقته بالله تعالى وباولياءه.
فيتعرض بذلك إلى جفاف روحي يفقده اواصر العلاقة بالحق المطلق وبتعاليمه مما يودي إلى ابتعاده عن هدفه من المنصب ،وهو إقامة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما إشارة الآية …الذين ان مكناهم في الأرض… فينشغل بالماديات والدنيويات واحيانا بالحسناوات والاكل فيصبح همه بطنه او بطنها وفرجه او فرجها … فيخلد إلى الأرض ويتبع هواه فتزل قدم بعد ثبوتها.
فيذهب بذلك عنصر من عناصر الإصلاح ويحل محله عنصر فساد او إفساد فيتحرك في مسوؤليته وكأن الله غير موجود، فيسرق ويقتل ويبتز ويرتشي ووووالخ .
والحال ان اهم ما يُسهم في الإصلاح الفردي والاجتماعي هو بناء شخصية المؤمن بناءً روحياً ومعنوياً؛ يشعر بهذه الآية ابدا ( هو معكم أين ما كنتم) ليكون مؤهّلاً للقيام بوظيفته الشرعية والعملية تجاه ربّه ونفسه ومجتمعه ووطنه باحسن ما يكون، وهناك آليات عديدة لبناء الشخصية الإسلامية عموماً وشخصيةالمتصدي خصوصا، ولعلّ أهمّ تلك الآليات هو اتخاذ القدوة الحسنة والسير على نهجها كانتهاج نهج النبي وعلي عليهما السلام في الرعية كما بين في خطب الإمام في نهج البلاغه وعهده لمالك الاشتر ، والتزوّد بالعلم والمعرفة والدراسة لسيرتهما، وبناء هكذا شخصية يجعل الإنسان قوياً وصبوراً أمام المصاعب والشدائد، ويُوجِد عنده نفساً عزيزة تأبى الذلّ والمسكنة من جهة وتنأى بنفسها عن الظلم والسرقة للمال العام او الخاص ، فيصبح شجاعاً وصادقاً وأميناً، وغير ذلك من الصفات الحميدة.
ومن الآليات المهمّة أيضاً هو انتهاج السلوك العبادي، واتخاذه وسيلة للتقرّب إلى الله، وبناء الملَكَات والفضائل النفسانية، وكسر الشهوات ومحو الرذائل.
فالصلاة المقبولة ـ مثلاً ـ لها آثار معنوية كبيرة كما صرّحت الآيات والروايات، فهي حصانة للإنسان من الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) وهي وسيلة يتقرّب بها العبد إلى الساحة الإلهية، ويبتعد بها عن الخطط الشيطانية، كما جاء في الحديث: «الصلاة قربان كلّ تقي»، وهي سبيل للعروج إلى الربّ، فقد ورد: «الصلاة ميزان أُمّتي» إلى غير ذلك من الآثار.
وهكذا الصوم، والحج، والجهاد، وأداء الحقوق الشرعية، وغيرها، كلّ له آثاره في بناء شخصية الإنسان المؤمن وتربيتها تربية إسلامية.
وزيارة الأربعين ـ وبالخصوص مشياً ـ كما نعيش اليوم ذكراها ، تمثّل ممارسة عبادية متنوعة وطويلة الأمد ـ زماناً ومسافة ـ وتشابه إلى حدّ ما موسم الحج، من حيث التنوّع العبادي، والجهد المعنوي، والتعبوي، فتُمارس فيها مجموعة من العبادات كالزيارة، والصلاة ـ خصوصاً صلاة الجماعة ـ والتسبيح، والوعظ والإرشاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء، والمشي ـ بناء على كونه عبادة كما هو الصحيح ـ وغيرها.
وهذه الممارسات العبادية المتنوعة، خصوصاً عند تكرارها، تخلق جوّاً روحياً عالياً من خلال ما يحصده المؤمن من الأجر والثواب، لا سيّما وأنّه يتحمّل متاعب المشي، والحرّ والبرد، وتورّم الأقدام، وغير ذلك من المصاعب، كما كان يتحمّل الجوع والخوف في زمن الطغاة. وهذا يخلق شخصية دينية صلبة الإيمان تكون مؤهّلة لممارسة دورها الشرعي والقيادي والعملي لكي لا تزل قدم بعد ثبوتها والعاقبة للمتقين العاملين المخلصين والخزي والعار والعذاب للسارقين والظالمين والمرتشين والخائنين .

يوم الأربعين ١٤٤٥.