كركوك أيقونة التأخي —لا تبخلوا حقها..!
أ.د.جاسم يونس الحريري ||
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تعتبر مدينة كركوك واحدة من أعرق وأقدم المدن العراقية، حيث وجدت فيها آثار من الحقبة الآشورية. تقع المدينة على بعد 236 كيلو متر شمال العاصمة بغداد، 83 كم جنوب أربيل، 149 كم جنوب شرق الموصل، 97 كم غرب السليمانية، و116 كم شمال شرق تكريت. تقع كركوك الحالية على اطلال المدينة الآشورية القديمة أررابخا (عرفة) التي يقدر عمرها بحوالي 5000 سنة. وتقع كركوك، وهي محافظة غنية بالنفط في شمال العراق بين إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية. كركوك تعتبر مركزا رئيسيا لانتاج النفط في شمال العراق وتعتبر تاريخيا مدينة متعددة الأعراق يقطنها الأكراد ،والتركمان، والآشوريون،والكلدانيون،والعرب،والأرمن ،يحدها جبال زاكروس من الشمال ،ونهر الزاب الصغير من الغرب ،وسلسلة جبال حمرين من الجنوب ،ونهر ديالى التي تعرف عند الاكراد بنهر سيروان من الجنوب الغربي. منذ أبريل 2003 عاد الألاف من الأكراد والتركمان إلى مدينة كركوك بعد ان كانوا مهجرين منها قبل2003 وبدات فترة جديدة من الخلافات ،والنزاعات حول ملكية الاراضي ،والبيوت الذي كانت ملكا للأكراد ،والتركمان و منحت للعرب القادمين من جنوب العراق كجزء من السياسة الذي اطلقت عليها تسمية سياسة ((التعريب)). بالأضافة إلى ذلك المشكلة طفى على سطح السياسة العراقية مرة اخرى الجدل التاريخي حول ((الهوية العرقية)) لمدينة كركوك. احد المصطلحات التي برزت على الساحة لاول مرة بعد الغزو والاحتلال الامريكي 2003كانت مصطلح ((التكريد)) وهو اتهام وجهه التركمان،والعرب الساكنين في كركوك إلى الاحزاب الكردية وخاصة الحزبين الكرديين الرئيسيين الاتحاد الوطني الكردستاني،والحزب الديمقراطي الكردستاني لمحاولة تلك الاحزاب جلب اكراد إلى مدينة كركوك بهدف تغيير الطبيعة السكانية للمدينة. حيث يرى التركمان و العرب بان تلك الأحزاب تتبع سياسة مماثلة لسياسة ((التعريب)). هذا الأتهام ينفيه الزعماء الأكراد بشدة . وتحت اشراف ((بول بريمر)) جرت اول أنتخابات بلدية في مدينة كركوك في 24 مايو 2003 لأختيار ((مجلس بلدية)) المحافظة حيث اختارت القوات الأمريكية 300 مندوب عن الأكراد ،والعرب ،والتركمان، والآشوريين ك((مجمع انتخابي)) قام بانتخاب ((مجلس المدينة)) المكون من 30 عضوا. وجاءت هذه الخطوة في ظل مساعي ترمي إلى تخفيف حدة التوتر العرقي السائد في المدينة. وقد قررت القوات الأمريكية منح الطوائف الأربع نفس عدد المقاعد داخل المجلس الجديد. وتألف المجلس من ثلاثين عضوا، أنتخب أربعة وعشرون منهم بمعدل ستة مقاعد لكل طائفة، و يعين الأمريكيون ستة أعضاء ((مستقلين)).أما الآن، فقد توسع مجلس محافظة كركوك في جولته الثانية ليضم 41 عضوا. اختير الكردي ((عبد الرحمن مصطفى))محافظا ووافق مجلس المدينة بأغلبية الثلثين على اختيار أشوري ،وتركماني ،وكردي كمساعدين للمحافظ،وكانت بؤرة لبعض أسوأ أعمال العنف في البلاد في فترة ما بعد سقوط تنظيم داعش الارهابي .وسيطرت قوات كردية على مدينة كركوك بعد طرد تنظيم داعش الارهابي منها ، لكن الجيش العراقي أبعدها في عام 2017. حيث سيطر2014، الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة، أي قوات الأمن في إقليم كردستان، على المنطقة النفطية في كركوك قبل أن يبعدا منها في خريف 2017 إثر عملية عسكرية للقوات العراقية، ردا على استفتاء لم ينجح على انفصال إقليم كردستان عن العراق. لسنوات طويلة كانت كركوك بمثابة البوتقة التي انصهرت فيها مختلف القوميات لكن الامر اصبح شائكا بعد 2003،حيث تسعى القوميات المختلفة في كركوك لاثبات حقوقها التاريخية. حيث يحاول الاكراد من جهتهم الحاق كركوك بكيان إقليم كردستان في شمال العراق ،بينما يحاول التركمان ،والعرب ابقاء كركوك ضمن الحكومة المركزية في بغداد. هذه الخلافات تم التعبير عنها بالعنف المسلح في بعض الاحيان ،والخلاف السياسي في احيان اخرى.