التفاؤل عامل مهم للاستقرار والتقدم
نعيم الهاشمي الخفاجي ||
يعتبر التفاؤل بمثابة الأمل الإيجابي، الذي يمكن الإنسان من تحقيق أمانيه نحو مستقبل واعد وزاهر، خلال تجربتي الحياتية، كنت ولازلت متفائلا، حتى في أحنك الظروف السيئة، التي ممرت بها، وخاصة ببداية هروبي من العراق.
في تلك الحقبة الزمنية المؤلمة، جمعني الزمان مع مجموعة من رفاق الدرب، عددهم ٣٦ شخص برتب مختلفة، تم وضعنا في سجن قاعدة تبوك الجوية السعودية، كانت أعمار الذين معي بعضهم بذلك الوقت بعمر ٣٧ سنة، وانا كنت بعمر ٢٦سنة، كنت اظن الذين أكبر مني سنا، لديهم قوة ورباط جأش قوي.
لكن الذي رأيته على العكس تماما، كلما يجن علينا الليل، أرى نحيب وبكاء الكثير من هذا الجمع المؤمن، حتى قلت لهم الذي مابيه حظ ليش يورط نفسه ويعارض نظام صدام، أحدهم يبرر فشله بالقول لي أنت غير متزوج، باليل ظن هؤلاء انني نائم، سمعت أحدهم من اهل قضاء الحويجة قال لهم، اخوان نعيم يتألم اكثر منا لكنه عنده رباطة جأش وغير مكترث بما يخبئ الينا المجهول من مستقبل وضعنا.
كنت متفائل وعلى يقين ورغم اصابتي بقرحة نازفة، أن مكاننا في سجون ال سعود، محطة وقتية، وسوف نتجاوز تلك الأزمة بسلام، ومهما طالت فترة السجن، وتعرضنا لسوء معاملة العسكر من الشرطة الوهابية، نسبة من رفاق الدرب مذهبهم شيعي، بسبب الخوف قالوا نحن سنة، وكتبوا القاب عشائرهم الاصلية الرئيسية قبل التحالفات القبلية، وكان لقب الشمري والعنزي والفضلي والدوسري الخفاجي محترم بالسعودية حتى من قبل الوهابية المتطرفين بسبب وجود القبلية بالمجتمع السعودي.
الانتماء القبلي بالسعودية فوق الوهابية، انا قلت للضابط السعودي ملازم اول عمر عندما وصلت للسعودية، وسألني ملازم اول عمر، قال لي هل انت مسلم لو شيعي، قلت له اخي أنا مسلم شيعي، قال لي سجل مذهبك سني هنا بالسعودية الشيعي وضعه جدا صعب، قلت له لا والله سجل أمامي مسلم شيعي، قال لي اسجل اسمك في حقل الشيعة، لأن الشيعة عندنا ليس مسلمون، قلت له نعم سجلني.
كان معنا ضابط شيعي من ناحية جبلة القريبة من قضاء الصويرة، والتابعة إلى شمال محافظة بابل، كنت اتوضأ للصلاة، قال لي انتم الشيعة ليش تتوظئون بهذه الطريقة، قلت له اقطع أصمت، بعد اربع أشهر تم نقلنا إلى معتقل رفحاء، رأيت صاحبي يصلي بالصفوف الأولى في مخيمات الصلاة مع أهالي الناصرية، ذات مرة كنا بجلسة نتحدث عن أمور دينية، وصاحبي أبو سالفة الوضوء معي، التفت لي قال لي ارجوك حجي نعيم لاتفسد علينا ديننا ، قلت له ولك من الذي يفسد عليك دينك، بالأمس في سجن تبوك سجلت سني وياليتك صمتت لكنك كنت تحرض عليٌ المطاوعة لكونني أتوضأ حسب وضوء الشيعة مذهب آل البيت ع، صاحبنا نخرس، وعاد بقرار عفو بطريقة مذلة إلى نظام صدام الجرذ.
التفاؤل يعطي إلى الإنسان قوة تمكنه تجاوز الصعاب، وتعطي للإنسان بارقة ضوء لتجاوز النفق المظلم الذي عاش به لفترة مؤقتة.
التفاؤل يعني النجاح وأنت في أصعب الظروف، التفاؤل يأتي من الثقة بالنفس، والإيمان بكل أشكاله سواء إيمان ديني لديانة سماوية او ايمان لديانة وضعية او إيمان بفكر ايديولوجي يساري….الخ، التفاؤل يعطي الإنسان قدرة إيجابية لتجاوز المشاكل والظروف القاهرة.
كان الكثير من أبناء الجاليات العراقية بالغرب بعد حصولهم على جناسي اوروبية، يذهبون إلى واجهات أجهزة مخابرات صدام الجرذ العاملين تحت واجهة لجان المغتربين العراقيين لكي يبصم لهم بالولاء للبعث مقابل يسمحون له الذهاب إلى العراق لزيارة الأهل، الكثير ذهب بوضع ذليل لكي يتملق لنظام صدام الجرذ، وكتب بعضهم علينا تقارير، كنت انا من ضمن قلة من الأفراد نفضح نظام صدام الجرذ في الصحافة ونعمل مظاهرات ضد نظام البعث، وكنت متفائل ان نظام صدام بطريقه إلى السقوط والوقوع في مكب نفايات التاريخ، وينتهي حكم صدام إن طال الزمان أم قصر.
ومن المؤسف أن غالبية هؤلاء المتلونين استفادوا من عملية تغير نظام صدام الجرذ عبر توظيفهم تحت قانون الفصل السياسي، ومن الأمور العجيبة أن رئيس هيئة الفصل رسول عبد علي والذي واضع صورتين الى الشهيدين الصدرين رضوان الله على أرواحهم الطاهرة في مكتبه في الأمانة العامة لرئاسة الوزراء بهيئة الفصل السياسي، كلامي ليس الإساءة لأي شخص بقدر نشرح مظلوميتي ومظلومية الكثير مثلي الذين تم ظلمهم تحت مسمى تكليفهم بتكليف ولم ينفذوه.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال، الأمل رحمة لاُمّتي ، ولولا الأمل ، ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجراً.
كذلك وردت أقوال الى الإمام علي ع عن التفاؤل، منها، تفاءل فالصبح يأتي مشرقاً من بعد ليلٍ مظلم القسمات، كن واثقاً كن مؤمناً كن آمناً كن ليناً كن دائم البسمات.
كل متوقع آت، منتظر الفرح سيحصل عليه، صاحب اليقين وستتحقق، مسيء الظن سيناله، فتوقع ما تتمنى.
نعم صدق رسول الله محمد ص وصدق قول أمير المؤمنين الإمام علي ع، لذلك النظرة الايجابية التفاؤلية نحو مستقبل واعد وجيد، يلزم المتفائلون التفكير وتحكيم العقل والمنطق، والاستفادة من اخطاء أجدادنا وأسلافنا السابقين، والاستفادة من حقبات الظلم والاضطهاد، لكي نستفيد من الأخطاء السابقة لعدم تكرارها مستقبلا، لأن التفاؤل الإيجابي، بدون تفكير ووضع خطط قد يتحول إلى إحباط عندما تتكرر الأخطاء مرة اخرى، التفاؤل يستلزم الاستفادة من أخطاء السابقين التي سجلها التأريخ، الفيلسوف الألماني نيتشه، يقول، أن التأريخ يمثل ضرورة وفي الآن نفسه عقبة.
العيش على البكاء على الماضي دون الاستفادة من هذه الأجواء لشحذ الهمم بين الشباب في المسيرات المليونية لتحقيق الهدف المستقبلي الأسمى في إيجاد نظام مستقر وثابت يحفظ لكل المكونات العراقية حقوقها الطبيعية.
اتذكر بعام ٢٠١٤ وعن طريق الصدفة عندي صديق تركماني شيعي أفغاني وجدت قيادي في حزب الوحدة الشيعي ضيف عنده في العاصمة كولنهاكن، دار حديث بيني وبينه، قلت له انتم الان بحلف الشمال مع الأوزبك والطاجيك والهزارا تملكون القوة لماذا لا تعلمون كونفدرالية الشمال وتضمون كابل إليها وتخلصون من تآمر البشتون وطالبان، نظر لي بسخرية، قال لي تحالف الشمال يمثل ٥٥% من الشعب الأفغاني، والبشتون لايساون سوى ٤٠% والجيش والشرطة بيد تحالف الشمال، وافغانستان لنا ولا مكان للبشتون وطالبان، لكن لننظر لما حدث كيف عاد البشتون للسلطة عن طريق طالبان، وامس طالبان اتخذت قرار بحظر المذهب الشيعي في أفغانستان.
نحن نحتاج الى الموضوعية في تخطيطنا للمستقبل، بعيدا عن العاطفة، الذي يريد يقاوم المشاريع الاستعمارية بالعراق عليه بالقليل إيجاد تعاون حقيقي بين أبناء مكونه المستهدف، وإنهاء الصراعات الداخلية التي تزيد التفكك والتشرذم والضعف.
خلال وجودي بسجون آل سعود، كان معي اصدقاء سنة، قالوا كل ماحدث معنا فهو من الله، قالوا الخير والشر من الله عز وجل، قلت لهم تفائلوا نحو مستقبل جيد، وقلت لهم الخير من الله والشر والظلم والقتل من صدام والبعثيين وحاشية نظام البعث ولادخل لله عز وجل بما يجري بالساحة العراقية.
هناك طيف واسع من الناس يقبل بالعيش بالذلة والإهانة بحجة اننا نسلم أمورنا لقضاء الله عز وجل وقدره، وهذا بقمة التخلف والفهم الخاطىء، حدوث هزات أرضية او انهيار سدود تخزين مياه، ويموت عشرات آلاف من الناس في مدن تقع على الخط الزلزالي يتحمل مسؤولية سقوط الضحايا المسؤولين، اليابان أكثر دولة بالعالم تتعرض للهزات الارضية، لكن الضحايا عندهم شبه منعدمة، السبب قاموا في بناء البيوت وفق دراسة وضعها مهندسين متخصصين في بناء بيوت تقاوم الهزات الأرضية، في بلداننا العربية والإسلامية يفترض المدن المعرضة لوقوع زلزال بها، يتم بنائها مثل بناء مدن ولاية أريزونا الأمريكية، بيوت مبنية من فايبر كلاس خشب مضغوط، ويتم بناء زوايا أركان الجدران من الطابوق والأسمنت لتثبيت الخشب المضغوط عليها، هناك خلل لدى تفكير أصحاب القرار السياسي بغالبية الدول العربية والإسلامية.
لننظر إلى أزمة مياه بالعراق، العالم يشهد ازمة شح مياه، وتركيا قللت اطلاقات المياه لحد الثلث، وأكثر من ٩٥% من مياهنا تذهب الى شط العرب والخليج بدون الاستفادة منها، لو كانت هذه المياه موجودة في شعب اوروبي يسكن في أرض العراق، لقاموا في استغلال كل المياه ولا يبديدون ولا قطرة مياه، تشاهد وزير الري أو مسؤول بالوزارة يتكلم ان المياه لم تذهب للخليج هدرا لانها تحافظ على الأسماك والصراصير بشط العرب.
تبني أفكار لا تطبق على أرض الواقع تكون فاقدة للقيمة، مافائدة كلام عن نظريات لايمكن تحقيقها على أرض الواقع، الشعوب والبشر العادي يحتاجون أمور واشياء تتحقق وتجلب لهم المنفعة والخير.
بكل الأحوال نحن متفائلين نحو مستقبل واعد وأفضل بوطني وبلدي العراق، رغم انني أصبح عندي تصور كبير في استحالة عودتي إلى بلدي العراق لأكمل ماتبقى من حياتي في وطني الذي ناضلت طيلة عقود من حياتي لأجله، بظل وجود مسؤولين يرفضون سماع سؤال من مواطنيهم المظلومين، من المؤلم عندما تكتب تظلم بدوائر الدولة العراقية، ويكون التظلم موجه إلى نفس الشخص الذي سلب منك حقك، بسبب حقد بعثي او بسبب جهل، يفترض عندما المواطن العراقي يكتب تظلم يكون موجه إلى دائرة مستقلة تابعة لرئاسة الوزراء او للبرلمان العراقي ووجود أعضاء من مجلس القضاء الأعلى للنظر في طلبات التظلم التي يكتبها المواطنين المظلومين، لا أظن هذا يتم في بلدي العراق، بظل وجود دولة لازالت تسير على قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل للجرذ الهالك ليومنا هذا.
رغم ذلك نبقى في تفاؤل مستمر ولابد في يوم من الايام تصبح لدينا مؤسسات دستورية تنصف المواطن العراقي وترفع عنه الحيف وظلم أخطاء الموظفين.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
19/9/2023
ــــــــــــــــ