الخميس - 12 ديسمبر 2024
منذ سنة واحدة
الخميس - 12 ديسمبر 2024

د. حسين القاصد ||

 

  تحترق البلدان وتقوم قيامتها، وتجوع الشعوب وتتعرى، ويتعرض الناس لأشد الفواجع لا سيما في بلداننا المغضوب على أمرها؛ وتبقى كرة القدم أهم من سلامة طفل يحاول عبور الشارع؛ ولعل أكبر انجاز قدمته أنظمة الدول المتخلفة، هو أنها استطاعت اقناع شعوبها بأن التأهل لكأس العالم انجاز كبير ، وأن انهيار التعليم والصحة شيءٌ لا يستحق الاهتمام؛ هكذا خاتلت السلطات شعوبها، لكي تشغلهم بما يشبه نقائض العصر الأموي.

  ولقد تابعنا مباريات “5خليجي2” وهي بطولة كروية بلاعبين مستوردين، لكنها تسيدت بل هيمنت على الوعي الجمعي بل سحبت الوعي كله من شعر رأسه لتجعل همه الأهم وشغله الشاغل هو مباريات خليجي 25 في البصرة، وهي مباريات لم تنقذ البصرة من منوّما ثقافيا*، ولم تسهم بتحلية ماء البصرة، ولك أن تكتب بعد ( لم) عشرات الأفعال المضارعة المنقلبة دلالتها إلى المستقبل عكس القانون المسنون لـ( لم ) الجازمة التي تقلب دلالة الفعل المضارع إلى الماضي.

  لقد نسينا شهداءنا وهتفنا بصوت واحد ” تعال ياي” وتركنا جامعاتنا فارغة من الطلاب، وتعرض الجمهور لحوادث سير في الطريق إلى البصرة ولم نفكر بأن نلتفت إلى طرقنا، بل كان كل همنا هو إعادة انتاج انشودة حربية من خزعبلات الحروب العبثية لصدام حسين، وأعني إغنية ( يمه يماه يمه) في مغازلة مضمرة للعاب الخليجي والحضن العربي كي يسيل اشتهاءً ويفتح حضنه العربي، متناسين نسق المخاتلة المتمثل بأن العراق والحضن البصري هو الذي استقبل (الأعدقاء) بحضنه الضارب في عمق جذور التاريخ والحضارة.

فإذا كان هذا التدجين والتنويم الثقافي بين السلطة بقيادة إعلامها والشعب بقيادة غفوته؛ فإن شيئا من العولمة غزا أغلب شعوب العالم وهو عولمة ( برشلونة وريال مدريد) وهما الفريقان اللذان صارا كالهواء والماء لدى غالبية شعوب العالم؛ حيث تعقد عليهما الرهانات، وتشتعل بسببهما الخلافات الشخصية التي تصل حد الاعتداءات والجرائم؛ هما فريقان أقرب للبرمجة من أي شيء آخر، وقد شكّل العدد (4) لغزا مهيمنا لجمهور كل منهما، فضلا عن تسببه بهدر وقت الناس وتعطيل الحياة والدراسة بل حتى العمليات الجراحية الحرجة إذا كان الطبيب من جمهور أحد الفريقين.

  الطالب يترك امتحاناته، والتواصل الاجتماعي يشتعل بتبادل التشفي والموظف يترك أمور الناس، كل هذا من أجل فريقين يتبادلان دور الخسارة بأربعة أهداف في أغلب الأحيان.

 أما الساسة فهم المنتفعون الوحيدون من انشغال الناس عن سرقاتهم وانتهاكاتهم لحقوق الناس لا سيما في العراق لأنهم يشتركون مع برشلونة والريال بالعدد( 4) وهي مدة حكمهم مع شوط اضافي قد يستغرق عاما كاملا لتشكيل الحكومة الجديدة وأحيانا تتشكل الحكومة من هدف تسلل بعلم الحكم الدولي ومن دون الرجوع للـ (var)

كما حدث في حكومة الكاظمي سيئة الصيت والسمعة

وقد أعاد التاريخ نفسه لكن بثوب أكثر سواداً؛ فمثلما طمع عبد الناصر بجعل سورية والعراق إقليمين تابعين له بصبغةٍ ( دين/قومية) متناسيا أن مصر متعددة الأطياف، بل حتى اسمها في اللغة الإنجليزية لا يدل عليها حتى الآن؛ لأن(Egypt) تعني لفظياً (قبط) = ( جبت) لأن لا وجود للقاف في الانجليزية، فتكون الجيم بديلا، ولا وجود للطاء فتكون التاء بديلا.

 وقل مثل ذلك عن سورية حيث العرب والأكراد والمسيحيون والدرز والعلويون والسنة والشيعة، فإذا كان اطياف العرب المسلمين مشمولة بجمهورية الوهم العربية المتحدة فكيف بالأكراد وغيرهم؟ وكذلك في العراق، فمن الأديان: الإسلام والمسيحيون والمندائيون والإيزيديون، ومن القوميات: العرب والأكراد ، والتركمان؛ فكيف صار للجمهورية العربية المتحدة أن تصبح قومية واحدة ودينا واحدا وفكرا واحدا؟

أقول قد أعاد التاريخ نفسه فتم الزواج الهجين بين حصان أمريكي وحمار عميل ينجب بغلاً هجينا، مهمته تدمير العراق والشام وصهرهما في دولة واحدة لكنها لا تشمل أكراد العراق والشام لغاية في قلب أمريكا التي اعترفت أن داعش صناعة أمريكية؛ وسط غفلة واسترخاء من السلطة في العراق ونزعة عمالة ورغبة في التسلط ممن رحب بداعش مدعوما بخنازير الانتحاريين العرب.

والذي هو أخطر من الخطر نفسه أن يشترك بهذا مايسمى بكبار مثقفي العرب، فمنهم من يحن لسياط عبد الناصر وصدام و زمنهما الجميل!، ومنهم من يمارس نسق الإيهام فيزج نفسه في ما ليس من همه العلمي أو التنويري بشيء، بل يمارس نسق التدعيش دون أن يدري.

* من كتابي البيداغوجيا والنقد الثقافي..

ـــــــــــــــــــ