الاثنين - 24 مارس 2025

ناقة الصحراء المقدسة وثور الحضارة المدّنس.. عن عاد وثمود وطاعة المعبود – الحلقة 1

منذ سنة واحدة
الاثنين - 24 مارس 2025

علي عنبر السعدي ||

“فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ،فكذبوه فعقروها ،فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ،ولايخاف عقباها ” .
“عاد” في المرويات الدينية ،مدينة عظيمة أحيطت بكل مظاهر الفخامة والعمران ،عصت أمر ربها فأرسل عليها الرمال لتطمرها وتزيل أثرها ،أما ثمود ،فهم كذلك قوم هاجروا من الصحراء الى الجبال ونحتوا هناك بيوتاً صلبة ،لكنها كذلك دمرتْ وأفنى سكانها لأنهم خالفوا أمر رسولهم فقتلوا ناقته .
الناقة رمز الصحراء والجفاف،لكنها معجزة السماء لتعويض سكان الصحارى عما ينقصهم من الماء والإخضرار ،وكان على قوم ثمود الهاربين من ظلم الصحراء بحثا عن حياة أفضل وأكثر أمناً ،أن يستمروا في تقديس تلك الناقة التي واصلت ملاحقتهم لتطالبهم بالطاعة لربّها على لسان صاحبها “صالح” .
لكنهم رفضوا أن يعودوا مرّة أخرى الى تلك الحياة القاسية التي غادروها ،رغم إن القصة رويتْ بعناية فائقة لتجعلهم هم من طالب بمعجزة الناقة الحامل بشهرها العاشر حصراً ،أي إنها على وشك أن تضع جملاً صغيراً يمثل استمرارية لتذكيرهم بما سبق لهم معرفته لأنه حيوانهم الأثير والمقدس من الله الذي يدر عليهم من الحليب ما يكفي لإطعامهم ،في مقابل الحيوان الآخر الأكثر قوة والأقل صبراً (الثور)الذي قدسته شعوب سبقتهم في سجل الحضارة (الرافدينيون والمصريون مثلاً (*)
لانجاة لكم من إلصحراء وإن هربتم منها الى الجبال ،وهذه “عاد” المدينة الجبّارة العاتية ، قد أفنيتْ واندثرت لأنها لم تطع الإله ،فجعل الرمال قبراً جماعياً لها ،لكنها يمكن أن تنهض مرّة أخرى شرط أن تعود الى عبادة الإله ذاته الذي سيظهر في رسالة نبي جديد يحذرهم بما جرى لأسلافهم حينما عصوا، وهكذا كان ،فامتدت “عاد” في نسختها المعدلة ،الى مساحات شاسعة ،غطت ليس عالم الرمال وحسب ، بل العالم المجاور كله ،لتجعل حضارته الخضراء ،مندثرة بمقولات الرمال ،ولم يبق سوى ماتقرره لهم .
ورغم ان مقولات (ثقافة الناقة) قد حاولت محو كل مايربط الشعوب الزراعية بحضارتها القديمة ، إلا إن ذاكرة تلك الشعوب بقيت تحتفظ ببعض موروثاتها ، فظهرت على شكل أمثال عن قوة الثور (ثور الله في برسيمه) وهي واضحة المعنى في القوة حينما تكون دون عقل أو ضوابط ،مثال مرّكب يصور الثوربالقوة الغاشمة المصحوبة بالبلاهة وعدم تقدير الأمور،ورغم ذلك يرفضه رجال الدين باعتبار إن ليس لله (ثور) بل المعنى (تور لاه) أي عابث.
— يتبع –

(*): الثور المقدس في الحضارة الرافدينية ،يمثل تموز رمز الفحولة والخصب – والثورة كذلك ،لذا جاء في ملحمة جلجامش باعتباره (الثور السماوي) الذي أرسله “آنو” لينتقم من جلجامش ردّاً لاهانته (عشتار)آلهة الحب .
أما عند المصريين ،فهناك انوبيس (العجل الأسود العظيم) وهو كذلك رمز للقوة والخصب .