الأحد - 01 ديسمبر 2024

أينَ المُرتَجى لاِزالَةِ الجَورِ وَالعُدوانِ؟!

منذ سنة واحدة
الأحد - 01 ديسمبر 2024

كوثر العزاوي ||

من صفاتٍ الإمام المنتظر”عجل الله تعالى فرجه الشريف” أنّه المُرْتَجى والمأمول لإزالة التسلُّط والظلم ، ونصرة المظلوم، وتبديد اليأس، وإسقاط الفساد، واقامة العدل، وإنّ هذا المقطع الندبي المبارك يشير الى ذلك الرجل الإلهي المعصوم الغائب بقية الله في أرضه والذي تنتظره كل المخلوقات إنس وجان، حتى يزيل عنهم ما تراكم من جور السلاطين وظلم الظلمة والمعتدين،

بل وحتى الدواب والأنعام والهوام وكل ذي حياة سيطالها النفع ببركة ذلك الظهور المقدس ويحي الأرض بعد موتها! وفيما يحدثنا المقطع الذي يليه عن نفس الرجل الموعود

أَيْنَ الْمُدَّخَرُ لِتَجْديدِ الْفَرآئِضِ والسُّنَن الذي ادخرتهُ السماء ليقوم بمَهمة بثّ روح الحياة في فرائض الله وسنن أنبيائه، فهذان المقطعان يتحدث احدهما عن مرتجى أهل الأرض ليسوي العدل ويقيم القسط، فيما المقطع الآخر يحدّث عن مدّخر السماء الذي غيَّبتهُ الإرادة الإلهية لزمان قررته هي ليقوم بمهمة معنوية في بث الحياة في روح الدين ومعاله وإحياء الكتاب وحدوده، وكأنّ هذين المقطعين يحكيان لنا حالة الانتظار عند الناس وحالة الادخار عند السماء، فكما أنّ الناس ينتظرون من يقيم لهم العدل فإنّ السماء تنتظر من الناس أنْ يتهيأوا لترسل لهم ذلك الأمل بهيئة رجل ينفخ الحياة في ميّت الفرائض والسنن، فتقوم برفع الجور والظلم عن الصارخين من المستضعفين والمضطهدين لطلب النجدة بإظهار المغيّب المنقذ الذي ينتشل أمة تُنحَر ماديًا ومعنويًا على طول خط الغياب، فالمرتجى ليس شخصًا وهميًا ولا خرافة نسجها الأمل الفارغ، ولاضربًا من الخيال ولا أطروحة علمية لجأت إليها الثقافة، ولا إفراز واقع عَصَرَ الناس فأنتج الانتظار، إنّما المرتجى مدلول يعبّر عن شخص موجود ومعروف حسَبًا ونسَبا، بمشخّصات جليّة وعلامات واضحة، ليصبح جزءًا أصليًا من عقيدة الأسلام، وقد أخبرَ عن ذلك المصطفى محمد “صلى الله عليه وآله” في روايات كثيرة مسنَدة معتبرة منها مثلًا: ماجاء عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا حذيفة، لا يزالُ ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان، حتى إذا أيِسُوا وقنَطوا وأساؤوا الظن أن لا يفرّج عنهم، إذ بعث الله رجلاً من أطائب عترتي وأبرار ذريتي، عدلًا مباركًا زكيًا، لا يُغادر مثقال ذرة، يعزُّ اللهَ به الدينَ والقرآن والإسلام وأهلَه، ويذلُّ به الشركَ وأهلَه”!

ومن هنا ترسخت عقيدة الانتظار، إذ ينتظر الناس قدومَهُ ليرفع عن كاهلهم أعباء ماراكمته السنون من حكّام الجور وانتهاكاتهم وتسلّطهم على رقابٍ صبرت صبرا عظيمًا  جميلًا، ومن أجلهِ تحمّل المخلصون العاملون مشقة الثبات قبال أنواع وألوان القمع والاضطهاد، وقد جاءت حكمة إخفاء هذا الأمل الإلهي وادخاره لموانع قد منعتهُ عن أداء مهمته في تطبيق فرائض الله وسنن أنبيائه، فلم يكن من سبيل ولا من بديل إلّا أنْ تلجأ السماء بحكمة الحكيم “جلّ وعلا” إلى وسيلة الإخفاء والادخار في زمن الشدة لتظهرها في زمن تكون الحاجة أشدّ للمدَّخِر، كونه السبب للرخاء وازدهار البشرية، وما أجمل أنْ يعبر الدعاء بـ”المرتجى”عندما يعكس لحن خطاب الناس المرهَق، وشوقهم للإمام المهدي”عجل الله فرجه” فيما يعكس لحن خطاب “المدّخر” وظيفة سماوية لحكمة إخفاءه عليه السلام وكل ذلك مثبَت في جملة من الروايات الشريفة، منها ماجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء فيملؤها عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجوراً” وكما ورد عنه “عليه السلام” قال:”اللهم احجبني عن عيون أعدائي إلى أنْ تأذن لي في ظهوري وأحيي بي ما بدّل من كتابك وأظهر بي ما غيّر من حكمك حتى يعود دينك غضًا جديدا “فهذه المقاطع النورانية تتحدث عن تلك الحقيقة الندبية التي ادخرتها السماء مخفيّة ليعيش المؤمنين عند اضطرارهم وعـند اختناق الحناجر

بدخان الظلام أملًا حقيقيًا يخفف عنهم الخطب، حينهـا ترتعد الأوصال وتجف الأفواه لتصرخ فطرة الإنسان ممزِّقة أحشاء الصمت: العجل العجل

يأملَ الأرواح ياصاحب الزمان. فيعانق الأمل وعد الله الرؤوف في قوله “عزوجل”:

{لِلهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله..}الروم ٤

٢٣-ربيع ثان-١٤٤٥هج

٧-١١-٢٠٢٣م