يا قدس.. وما النصر الا صبر ساعة
أحلام الخفاجي ||
هناك حيث تفوح رائحة الشتاء وتتسرب بين نهايات الصيف المتعب، كان الاقصى كعادته متهجدا عابدا، يرتل قرآن الفجر ان قران الفجر كان مشهودا.
وكانت تلك الزيتونة التي غرست بجانبه منذ الف سنة ونيف، كل ليلة تتخذ من الليل جملا، لتدخل حرمه باكية شاكية استباحتها من قبل اليهود، وان ثمرها لم ينضج منذ ان تجاسر احدهم عليها، وذبلت اغصانها يوم لمستها ايديهم حتى عادت كالعرجون القديم، ولم تعد تفيئ للقاصي والداني منذ ان نصب خيمته ذلك الغريب بالقرب منها.
فإذا به يكتم حزنه ليربت على كتف شكواها قائلا: اصبري فمالنصر الاصبر ساعة.
وفي ليلة مختلفة لاتشابه غيرها من الليالي، داهمها ذلك الغريب ليضرم في خيمة صغارها نارا، لتلتهم كل شى ولتقبل مسرعة قاطعة حرمه، تتعثر باطراف عبائتها التي أخذت النيران طريقها اليها، لاتعلم ما تفعل، ولتقفز إلى ذاكرتها صور من طف عاشوراء التي طالما طرقت مسامعها، وهو يقص عليها ماجرى في كربلاء، كيف حال مولاتنا زينب وهي تتعثر مابين الخيام التي التهمتها نيران وقحة شامتة من نسل نيران (وإن) لتجمع العيال، ولكن من أين لها بعباءة الحسين؟
تاهب لنجدتها فإذا به مكبل باصفاد وسلاسل، كأنها ولدت من رحم تلك السلاسل التي قُيد بها زين العباد .
في تلك البقعة المباركة من الارض، نبت زهرة المدائن القدس التي طالما دعت الله ان لاتبقى وحيدة فتذبل، وكان لسان حالها يقول(ربي لاتذرني فردا وانت خير الوارثين) حتى استياست واشتعل الراس منها شيبا وبلغت من الكِبر عتياّ، لتُستجاب دعوتها ولتاتيها البشرى ب “الأقصى” فصكت فاهها وقالت عجوز عقيم، لتقبل عليها بقية المدن مهنئة، بخ بخ باقصاك الاقدس.
وكأنها استشعرت ان مافي بطنها مباركا فدعت الله، وكان لسان حالها(رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ليكون أول القبلتين، وليُسرى بخاتم الأنبياء والمرسلين منه حيث المسجد الحرام.
منذ ابينا ادم والشيطان يقعد كل مقعدا عند صراط الحق المستقيم، يرمي بشباكه ليصطاد عباد الله الا المخلصين( قال فبما اغويتني لاقعدن صراطك المستقيم..)
ليبث جنوده من الإنس والجن ليجمعوا شراذم الارض من اليهود، ليستبيحوا حرمتها وليقدموها قربانا عند إقدام هيكلهم المزعوم، الذي نخرت منساته دابة الارض وهم لا يشعرون.
ليعيثوا في الأرض فسادا، تارة يقتلون طفلا،امراة، شيخا، وآخرى بمناجل الغدر يُغتال الزيتون.
ان خيبراً ليس عنهم ببعيد، يوم أعطى رسول الله الراية لرجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه) كرار غير فرار، يوم ظنوا انهم مانعتهم حصونهم من امر الله، لتقلع يومئذ يد الايمان كله باب الشرك كله.
يقينا أن خيبراً ستعود على يد ذلك الغائب المدخر لإقامة الأمت والعوج، ذلك الضيغم شبل الكرار، الحجة بن الحسن، ليسوء وجوههم وليتبروا تتبيرا (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) فعن محمد بن الحنفية قال:
(…. تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح، أو صالح بن شعيب، من تميم، يهزمون أصحاب السفياني، حتى تنزل بيت المقدس، توطئ للمهدي سلطانه….)
وكانما أبناء فارس قد اخذوا على عاتقهم نصرة الدين، فبالامس كان سلمان المحمدي قد حفر خندقا هُزمت به الاحزاب، واليوم العظيم سليماني قد حفر خندقا من البصيرة، ليجتمع فيه كل المقاومين الأحرار، وليمتد بصرهم حيث الأقصى يتوقون لفك اسره من اصفاد اليهود، تحت راية الموعود بقيادة ذلك الفتى التميمي شعيب بن صالح ألذي سيوطئ للمهدي سلطانه فلقد ورد عن أهل البيت ع(…ثم يقبل الرجل التميمي شعيب بن صالح، سقى الله بلاد شعيب، بالراية السوداء المهدية بنصر الله وكلمته حتى يبايع المهدي بين الركن والمقام )
وفي ليلة طوفان الاقصى، تناهى الى مسامعه ازيز رصاص علوي، محفوفا بصرخات مهدوية حتى ابتهجت اساريره وانشرح صدره وهو يُمني نفسه، بذلك اليوم الذي كلما مر منه طائف، حتى امتلئت قِربة قلبه بماء الصبر، كلما افرغتها سهام العدو، وكأن كفي الساقي مازالت تملا قِرابنا الثكلى على مر السنين، رغم كل السهام التي تناسلت من تلك السهام التي فقئت، عين قِربته يوم عاشوراء..
يقينا سيسفر صبح المهدي، مهما طال ليل الانتظار، وسينتهي اسرك يا قدس على يد ذلك الصمصام المنتقم من ال محمد، فلياتيهُم بِجنودٖ لَّا قِبلَ لهُم بِهَا وَلَيخرِجنهم منهَا أَذِلّةٗ وَهمۡ صَاغِرُون وعد غير مكذوب و(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)