بقية الوعي
رياض الفرطوسي
يعتقد البعض ان ممارسة العادات المكررة والقناعات الجامدة ‘ اضافة الى الاكل والشرب والنوم هي قضايا تستدعي وعيا . علما أن هذه القضايا تشترك فيها معنا كل الحيوانات . ( ليس كل من تراه صافنا هو فيلسوفا والا لاصبح كل حمير الوطن فلاسفة ) . لذلك يبقى الوعي ميزة انسانية كونية تستند الى المنطق والعلم والى مدارس لها علاقة بالتنوير والتفكير. مثلا هناك وعي عميق وعلمي ونقدي وابداعي وبديهي .. الخ . طبعا الاغلبية الساحقة من الناس غير مشغولين بالتفكير والوعي بل تجدهم منشغلين بقضايا سطحية وتافهة . التفكير والوعي يتطلب عقلا بمحتوى ناضج علميا ومعرفيا وثقافيا . هناك سؤال اتعب علماء النفس لسنوات طويلة .. كيف تتضخم مشاعر العظمة والغطرسة والتعالي لدى الشخص الغبي والسطحي والتافه والوضيع في حين ان العالم يتجه للتسامح والحب والتواضع ‘ واكتشف العلماء لاحقا ان السبب يعود الى تلك الاوهام المزيفة التي انتجها ذلك العقل ( الفارغ من الوعي ) . وهذا العقل هو من يجعل الانسان يمتلك مشاعرا مزيفة تجعله يتفاخر ويستعرض ولديه كم كبير من الشعور بالثقة بالنفس. سياسيا ممكن ان تترسخ تقاليد القيادة الواعية في مجتمع يؤمن بالوعي والمعرفة والفكر والعقلانية . مجتمع تتحكم به الافكار وليس الغرائز والاستعراضات والحساسيات والغطرسة والجهل ‘ والجهل هنا لا يعني عدم المعرفة وانما السلوك الشرير والعدواني. عندما تبرز قيادة واعية بمعايير الوطنية والنزاهة والشرف والعلم فأنت لست بحاجة لتعديل دستور او حتى الى الدستور نفسه ‘ لست مضطرا لتغييره او حذف بعض من فقراته لانه يمكن للقيادة الواعية من خلال فن القيادة القائم على اساس التوقعات ورسم الخطط البعيدة والقريبة ووضع الاحتمالات ولكل احتمال خطة معينة تنضج الاستراتيجيات والقرارات التي من خلالها ممكن للمجتمع ان يعيش على اساس القوانين والمبادىء المنصوص عليها بأرادة جماعية دون الحاجة الى دستور كما في الكثير من بلدان العالم المتحضر. دستورنا يدعو منذ كتابته الى الاهتمام بالانسان ولكن حقيقة الامر ان هذا الانسان على مستوى الواقع يعاني من تحديات كثيرة لكن عندما يتوفر الوعي القيادي الذي يفترض ان يكون وعيا محصنا بمفاهيم العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات والحب وحسن الظن والوفاء ستكون هذه القيم بمثابة جدار الصد الحقيقي من اي مباغتة او صدمة مفاجئة او ازمة طارئة . القيادة الواعية هي القيادة الخالقة لظروفها ومتحدية للصعوبات وليس الخاضعة لها. ممكن ان تساهم هذه القيادة في تغيير مسار الحياة عندما تصفع التكبر والغطرسة والفساد والعناد وتعيد التوازن الى نصابه الحقيقي.القيادة الواعية هي التي ترفع وعي الناس فالاغلب لا يعرفون ماذا يحصل ومنهم من ينظر بالخطأ الى الاتجاه الاخر. القيادة الوطنية الواعية لمفهوم الدولة الوطنية هي التي يجب ان تكون حاضرة في بناء الرؤية الاستراتيجية لكل المؤسسات من خلال مراكز التخطيط القومي التي تحتوي على الكثير من البيانات والطاقات والمعلومات لتنطلق منها الخطط والبرامج لتجد طريقها لبناء وعي المواطن ثم لبناء الوطن .