لعلّ في تدني نسبة المشاركة رسالة من الغيب..!

منذ سنة واحدة
الأحد - 18 مايو 2025

كوثر العزاوي

 

مازلنا وأصداء تداعيات نتائج انتخابات المحافظات تملأ الأفق، ونحن نرى الناس في تفاوت، منهم في غمرة السرور ومنهم في حيرة وذهول، يتلاومون يتنابزون يتهامزون، “وكلّ في فلك يسبحون”،
“وكل حزب بما لديهم فرحون” وبينما اتابع الحدث ونتائجه، وأتأمل ردود أفعال الناس، إذ طرق ذهني ماجاء في سورة الصف المباركة قوله عزوجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّـهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ}. وعلی الرغم من أنّ سبب نزول الآية كما ورد في كتب التفسير متعلّقًا بالجهاد في سبيل اللِه، وماحدث من فرارٍ في غزوة احد، ولكن لابأس بالأستفادة لِسعة المفهوم الذي‌ تعرّضت له الآية المباركة لنصل معا الى نتيجة مطلقة تجعلنا نستوعب بأنّ كلّ قول لايقترن بعمل يستحقّ الّلوم و التوبيخ، سواء يتعلّق بالثبات في ميدان الجهاد أو أي عمل إيجابي يتعلق بخدمة المجتمع، والدين، أو كما ذهب بعض المفسّرين إلی أنّ المخاطَب في هذه الآيات هم المتظاهِرون بالإيمان والمنافقون مع أنّ الخطاب في هذه الآية موجّه إلی”المؤمنون” الذين لم يصلوا بعد إلی الإيمان الكامل، وأعمالهم غير منسجمة مع أقوالهم، وماأكثرهم في كل زمان! لذا عاتبهم الباري عزوجل بقوله: “لِمَ تَقُولُونَ ما لاتَفْعَلُونَ” أما شاهدُ الكلام وعلاقته بموضوع الانتخابات مع صرف النظر عن تقصير مَن قاطع المشاركة لعمدٍ جرى ام لجهل ام عنادٍ أم كمن ينعق مع كل ناعق ام غير ذلك، فمع كل احتمال وعلى أية حالٍ، يبق السياسيون هم الملامون لتقصيرهم وعدم انسجام الأفعال مع الأقوال طيلة مدة خدمتهم وتسنّمهم مراكز المسؤولية! ولعل قول الشاعر يوفر مااريد بيانه وهو القائل: نبني من الأقوال قصرًا شامخا*والفعل دون الشامخات ركامُ
فالأفعال المتلكئة وفساد الاكثرية ونزاهة الأقليّة هي على رأس الاسباب التي أدّت الى تدنّي نسبة المشاركة، وكما لايخفى بأنّ القولَ الذي لايصدِّقهُ العمل هو من الأمور الخطيرة علی دين الإنسان بدليل قوله تعالى: «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» كما نقرأ في
رسالة الإمام عليّ”عليه السّلام” لمالك الأشتر أنّه قال: {إيّاك أن تَعِدهُم فتتّبع موعدك بخلْفك، و الخلْف يوجب المقت عند الله و الناس} ونحن كما لمسنا ذلك في تعاطي المسؤولين مع واجبهم حيث الوعود والتصريحات العلنية في مجالس الترويج والادّعاء بحفظ الامانة والعمل الجاد، ولكن ما إن تحين ساعة الجدّ والبذل إلّا ونشاهد الهروب والنكوص والابتعاد عن تجسيد الأقوال المدّعاة، مما سبب ردة فعل عند مَن يعيش شظف الحياة والحاجة إلى الاستقرار المعيشي! ‏فإنّ من السمات الأساسية للمؤمن الصادق هو الانسجام التامّ بين أقواله وأعماله وكلّما ابتعد الإنسان عن هذا الأصل، فإنّه يبتعد عن حقيقة الإيمان وبذلك يفقد مصداقيته، ‏يقول المرحوم العلّامة الطباطبائي في الميزان: ثمة فرق بين أن يقول الإنسان شيئا لا يريد أن يفعله، وبين الإنسان الذي لا ينجز عملًا تعهّد بإنجازه قولًا، ‏فالأوّل دليل النفاق، والثاني دليل ضعف الإرادة، بمعنى آخر، أنّ الإنسان الذي يقول شيئا لم يقرّر إنجازه منذ البداية هو علی شعبة من النفاق، أمّا إذا قرّر القيام بعمل ما، ولكنّه ندم فيما بعد فهذا دليل ضعف الإرادة، ‏وعلی كلّ حال، يبقى الانسان في معرض الخطأ مادام خارج أسوار العصمة،
كما يبقى القرآن الكريم هو الدليل المرشد للانسان على الاطلاق المسؤول منه والسياسي والمواطن إذ يأخذ بيد الجميع إلى بر الأمان وأداء الامانة وكلّ مَن يتخلّف عن عمد، سواء مايتعلّق بالمسؤول ونقض العهود والوعود، أو مايتعلق بالشَّعب من عدم الوعي في معرفة أداء تكليفه الشرعي والوطني سيما فيما يتعلق بضرورة الانتخابات تجاه بلده، ولعل بعض الاخفاقات غير المتوقعة ماهي إلا رسالة اقتضتها الحكمة لتشكل جرس إنذار لكل مكلف بجميع الصنوف لتعلن أن الأقوال المجرّدة هو دليل علی حالة النفاق، والمنافق تبدو عليه علامات الاعتلال في الفكر و الروح مهما حاول إخفاؤها، و‏إنّ من أعظم الابتلاءات التي تبتلی بها المجتمعات الإنسانية، هو فقدان مصداقية المسؤول وتزعزع الثقة بينه وبين الشعب، وعدم الاطمئنان فيما بينهم، بإمارة نقض الأقوال البعيدة عن الالتزام والادّعاءات الفارغة من المحتوی العملي، وأداة ذلك هم الأشخاص الذين يقولون ما لا يفعلون، وبالتالي فمثل هؤلاء إنما يشكّلون بؤرة عميقة مخيّبة في لمّ الشمل، في قبال حالات الانسجام والوحدة والتماسك أمام المشاكل التي تواجههم، وبذلك يشكّلون عاملًا للضعف والتباغض وعدم الاحترام و تضييع الإمكانات وتأخير عجلة تقدم البلد وسقوط هيبته أمام الأعداء ومَن يتربصون الدوائر.