ماذا يجب أن نفعل للوصول إلى الكمال؟
د. مسعود ناجي إدريس
الإنسان بحسب القرآن مخلوق اختاره الله، وهو خليفته في الأرض، نصفه ملكوتي ونصفه مادي، ذو فطرة مألوفة، حر، مستقل، مؤتمن لله، ومسؤول عن نفسه وعن العالم و المسيطر على الطبيعة، الأرض والسماء، يبدأ وجوده بالضعف والوهن ويتجه نحو القوة والكمال، لكنه لا يرتاح إلا في بلاط الله ومع ذكراه واما بالنسبة لقدرته العلمية والعملية غير محدودة.(الشهید المطهري،مجموعه آثار،ج۲، ص۲۷۲)
من وجهة نظر الإسلام، فإن قيمة الإنسان يكمن في تحقيق هدف الخلق، وهو القرب من الله، وهذا هو كمال الإنسان. والكمال يعني الكمال الروحي والجسدي، لأن النفس هي جوهر وأساس هوية الإنسان وشخصيته. وبحسب القرآن فإن الشخص الذي يحقق هذا الهدف هو شخص وصل للسعادة الحقيقية لان السعادة لا تعتمد على اكتساب المزيد من المتعة أو القوة وما شابه ذلك.
ولا تتحقق السعادة إلا بالله، وهو ما يفسر على أنه عبادة في القرآن: «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ اِلّا لِیعْبُدون».(الذاريات، آیة ٥٦.) للوصول إلى الكمال النهائي لا بد من الأدوات التالية:
۱_ معرفة الله: مفتاح تحقيق الهدف النهائي هو معرفة الله. وبدون العلم لا يمكن التقرب اليه. ولهذا يقول الامام علي (عليه السلام): « اَوّلُ الدّینِ مَعْرِفَتُهُ».(نهج البلاغة، خطبة ۱)
۲_ التقوى: الطريق إلى بلوغ مقام الشكر ونيل الأجر العظيم والإحاطة بقضايا الوجود ومعرفة واجب العبودية والبصيرة الخاصة ونيل التوفيق، والوصول إلى مقام القرب من الله لا يمكن إلا بالتقوى. .
۳_ العبادة : جاء في الحديث القدسي: « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ».(الشیخ الكلینی، اصول الكافی،ج ۲، ص٣٥٢، دارالكتب الاسلامیه.)
٤_ ترك المعاصي: أكبر عائق لبلوغ الكمال هو المعصية واهواء النفس، كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «طوبى لعبد جاهد لله نفسه وهواه، ومن هزم جند هواه ظفر برضا الله، ومن جاور عقله [نفسه] الامارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى فقد فاز فوزا عظيما، ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الرب من النفس والهوى، وليس لقتلهما في قطعهما سلاح وآلة، مثل الافتقار إلى الله والخشوع والجوع، والظمأ بالنهار، والسهر بالليل، فان مات صاحبه مات شهيدا، وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر قال الله عز وجل: ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين.».(الشیخ عباس القمی، سفینة البحار الانوار، ج۲،)
يقول الإمام الصادق عليه السلام : ((إحذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم ، فليس شيء أعدى للرجال من إتباع أهوائهم ، وحصائد ألسنتهم)) .(اصول الكافی، ج٤، ص۳۰.)
ووفقاً لهذا المبدأ، فإن تحقيق الكمال يتطلب الرياض والجهد والجهاد ضد اهواء النفس.
وقد اقترح شيوخ الدين أشياء للسير والسلوك، أهمها: معرفة النفس، والوعي، والذكر، والتفكير، والتولي والتبري، ومعرفة الأحكام، واختيار الصديق الصالح، وتجنب الذنب، والتوبة، والقيام بالواجبات، فعل النوافل وترك المنكرات، الإخلاص، جهد النفس، الانضباط، اغتنام الفرص، خدمة عباد الله، التوكل على الله، حسن معاملة الناس، الزهد والقناعة.
وفي الإسلام يتم التأكيد أكثر على بعض العبادات، مثل تلاوة القرآن، والتهجد، وسهر الليل، وأداء النوافل اليومية، والالتزام بالقراءة الأولى في اول وقت للصلوات الواجبة، المواظبة على الوضوء، مراعاة العادات والتقاليد، الاهتمام بالصلاة، المشاركة في صلاة الجماعة، إطالة القنوت والسجود، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، زيارة الأولياء، التوسل بالأئمة عليهم السلام و الصلوات على محمد وآل محمد.
لكي نبدأ في مستويات أعلى من الكمال، علينا أولاً أن نصبح أكثر رسوخاً وثباتاً في المستويات الأولية ثم نبدأ تدريجياً البرنامج الروحي لحياتنا، أولاً ببرامج أخف وأدنى ثم، بعد أن نكتسب الاستقرار، ننتقل إلى مستويات أعلى وحاولوا ألا تتعبوا أنفسكم.
وجاء في الأحاديث أيضاً: أحياناً قلب الإنسان يتوجه للايمان، وأحياناً يدير ظهره. فإذا قلب قلبه واستعد فقد وضع نفسه على طريق النوافل؛ واذا أدار ولم يكن مستعدا، اكتفى بالواجبات.
ولمزيد من القراءة راجع كتاب “المقالات” لآية الله محمد شجاعي و”رسائل البرامج” للعلامة حسن زاده آملي.