القواعد والنظريات الفكرية والاجتماعية بين التنظير والتطبيق :
الشيخ جاسم الجشعمي
هنالك من الحركيين العاملين سواء في الساحة السياسية او الفكرية او الاجتماعية يجيدون فهم وحفظ القواعدوالنظريات الحركية والسياسية والاجتماعية والاخلاقية والتنظير لها . ولكنهم يخفقون في تطبيقها والسبب في ذلك هو ان معرفة القواعد. والنظريات الحركية والفكرية والسياسية والاجتماعية يمكن فهمها وحفظها بسهولة وذلك من خلال المطالعة والدرس والتدريس او دخول دورات وندوات علمية وثقافية تقام لهذا الغرض . أما تطبيق هذه النظريات والقواعد فلايوجد كتاب يتكفل للانسان تحديد وتشخيص كيفية تطبيق القواعد والنظريات على مصاديقها وعلى كل حالة معينة في الواقع العملي . لأن تشريع القواعد مهمة المشرع وامّا تطبيقها على مصاديقها من مهام المكلفين بها . فالتطبيق موكول الى تجربة الانسان الحركي وخبرته الاجتماعية ومعرفته بالمجتمع وبخصوصيات افراده . فالذي لا يتمتع بخبرة اجتماعية ومعرفة جيدة بوضع المجتمع وبأفراده قد يخطأ في تطبيقه للقواعد والنظريات . كالطبيب غير الحاذق الذي قد يخطأ في تشخيص المرض ويعطي دواءاً مضراً لمريضه . وهذه الحالة السلبية في التطبيق موجودة في جميع مجالات الحياة . والخبرة الاجتماعية ومعرفة الأفراد يتم من خلال المعايشة او الاعتماد بخبراء اجتماعيين يشخصوص له الحالة الاجتماعية او حالة الافراد والجماعة بدقة متتناهية . والمثال على ذلك
المقولة التي تفيد ان الانسان ينبغي له ان يقدر كل إنسان بمقدار حجمه .
هذه مقولة وان كانت لا تنسجم مع الفكر الاسلامي . لان الاسلام يفرض على الانسان المؤمن المتعلم والمثقف الذي حباه الله بعلم ووعي ان يبذل جهوداً متزايدة من الاهتمام بضعفاء القوم ويرفعهم الى مستواه حتى يتعافوا عن ضعفهم لا ان يتعالى عليهم . وعلى فرض صحة تلك المقولة قد يخطأ صاحب الخبرة الاجتماعية الضعيفة في تطبيق هذه المقولة على الواقع . ولذلك قد يقدر أفراداً من المجتمع اكبر من احجامهم واكثر مما يستحقون متوهماً انهم اصحاب أحجام كبيرة وقد لايقدر اصحاب أحجام كبيرة بمقدار احجامهم متوهماً انهم أصحاب احجام صغيرة . ويعني ذلك انه يسير في الاتجاه الخاطئ . ومردوده يكون عليه . وقس على ذلك بقية القواعد الاجتماعية والفكرية . واحياناً يبتلي الانسان الحركي بتشابه الصفات والقواعد الفكرية والاجتماعية والاخلاقية بسبب جهله بها . كقاعدة الكبرياء وعزة النفس . قد يتوهم ان عزة النفس هي الكبرياء بعينه و صاحب عزة النفس مصاب بداء الكبرياء . والحقيقة ليست كذلك . فعزة النفس تعني حفظ النفس من الانزلاق الى مواضع الذل وهي صفة مطلوبة وذات اهمية أخلاقية كبيرة . على عكس الكبرياء فهي تعالي على الآخرين والتعالي صفة مذمومة . وأحيانا يخطأ الانسان العامل الحركي في التطبيق لجهله من هو صاحب عزة النفس ومن هو صاحب الكبرياء فيتعامل تعاملاً خاطئاً مع الناس من وحي جهله في فهم القواعد او في تطبيق القواعد على مصاديقها . وكل ذلك بسبب الجهل . والجهل عدو الانسان يوقعه في المهالك . وهذه حالة واحدة من عشرات الحالات الفكرية او الاجتماعية او السياسية التي قديبتلي الانسان بها ويقع في اخطاء جسيمية . وأفضل علاج لهذه الحالات هو التروي في اتخاذ القرار والتعامل مع الناس والأمور والمواقف باحتياط وتريث حتى تنجلي له حقائق الامور وقد ورد في الاحاديث
( احتط لدينك اخوك دينك ) .