مع إطلالة عامٍ جديد..
كوثر العزاوي
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام
“نَفَسُ المَرء خُطاهُ إلى أجله”
إنه عام آخر سيحلّ قريبًا بعد تصرّم العام الحالي، إذ أوشك على الإدبار، ونحن مابين عامين عام أدبر لاندري مالله صانع فيه وعام مقبِل لاندري مالله قاضٍ فيه، جاهلين حُكمه سبحانه لما فات منّا آملين عفوه، مترقّبين ماهو آت راجين خيره وحسنَ تدبيره “عزوجل” فكلما أقبل عام نقص من اعمارنا عام آخر، وتلك حكاية الإنسان في الدنيا، إذ لايفقهُ ماوراء العمر في تقلّبه من حال الى حال، وما معنى إطلالة عام جديد، أهيَ بداية قصة جميلة يرغب في عيشِ تجاربها،يتطلّع خوض غمارها لحظة بلحظة ونَفَسٍ بنَفَس، أم انها قصة منتهية يتمنى مغادرة محطاتها بحلوها ومرّها؟! والواقع أنّ كل سنة جديدة بالنسبة لنا هي أشبه بالطريق التي نسير فيها، وهذه الطريق تتخللها منعطفات ومحطات، منحنيات وتعثرات، ولكلّها نهاية وانقضاء، ومهما تكون نهايتها، علينا ان نسلّم بأن ثمة سنة جديدة وطريق لابد من اجتيازها بمقتضى التقدير الإلهي، ورغم المصائب والهزائم والانتكاسات، يبقى التفاؤل والثقة بالله تعالى والتسليم له، لَمِن
أقوى السلاح الذي يمكن ان يستعين به المرء على مواصلة طريق العمر،
والمغبون مَن باع شيئًا منه -العمر- بأقلّ من ثمنهِ، أو اشترى شيئًا بأكثر من ثمنهِ، فليس ثمة مايليق به إلّا الجنة، لذا ورد عن أمير المؤمنين عليّ “عليه السلام” عِظة وتوجيه:
{احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود}!!
ولعل في قوله “عليه السلام” إشارة الى خطر التفريط في الأوقات والأنفاس لكونهما رأس مال العبد وفرصة الأعمال الصالحة ليومٍ لامناص منه، وضرورة الإلتفات الى أنّ عدد الأنفاس الّتي تمثّل العمر، إنما قدّرها الله “عزّ وجلّ” لنا وهي من الغيب، فلا ندري متى تنقضي وتنتهي الآجال ولاتَ حين مناص!، ومن هنا يصبحُ لزامًا على كل ذي بصيرة أن يحرص على توجيه بوصلته مع إطلالة كل عام جديد لتنظيم نفسه بين الحين والآخر، وأن يعيد حساباته مُرسِلًا نظرات ناقدة في جوانب النفس، ليتعرف عيوبها وآفاتها وإخفاقاتها، وأن يضع خطة عملٍ على المدى الطويل ليتخلص من علائق الشرور والفساد المحدقِ بها، فالنفس يُلزِمها بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها، وأن نُرجِع إليها توازنها واعتدالها كلما زلزَلَتها الأزمات وهزّتها نزاعات أهل الارض من شياطين الأنس والجنّ في الدنيا المائجة بالصراعات!! كما ينبغي على الانسان الوثوق بنفسه كإنسان ذو مبادئ وغايات ومَلَكات ونِعمِ جمّة لاتحصى، بأنه قادر على الوصول الى معرفة الهدف من وجوده والوصول إليه، فهو جدير بأن يجعل من كل عام جديد بداية جميلة هادفة محورها الله”عزوجل” وماعليه إلّا العمل بالتكليف المنوط به بكل استقامة وامانة، فهو فقط من يعرف موازين نفسه ويدرك حجمها، بدليل قوله “عزوجل”: {بَلِ الإِنسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} القيامة-١٤-
موكِلًا النتائج على الذي بيده الموت والحياة وهو على كل شيء قدير.