الاثنين - 14 اكتوبر 2024

إسرائيل تغتال قائدًا للحرس الثوري الإيراني في سوريّة : الدلالات و النتائج

منذ 10 أشهر
الاثنين - 14 اكتوبر 2024

الدكتور جواد الهنداوي

في عملية نوعية ،عسكرياً و سياسياً ، نفّذت إسرائيل
يوم ٢٠٢٣/١٢/٢٥ ، جريمة انتهاك السيادة السوريّة و اغتيال احد اكبر مستشاري الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريّة . تزامنت العملية مع موعد الذكرى الرابعة لاغتيال الشهيديّن قاسم سليماني و ابو مهدي المهندس ، على طريق مطار بغداد الدولي ،ومن قبل القوات الأمريكية .
لم تتمْ العملية دون تنسيق مُسبقْ مع الادارة الأمريكية ، التي تتولى ، تعاوناً مع إسرائيل او قيادتاً ، ومنذ عملية طوفان الأقصى ، ادارة الحرب و المجازر و المعارك في غزّة وفي جنوب لبنان وفي اليمن ، وفي سوريّة ، وفي العراق ،اي في المنطقة . لم تُقدِمْ إسرائيل على هذه الخطوة العدائية تجاه إيران ، و اغتيال قائداً بهذه المنزلة في الحرس الثوري الإيراني ، دون ضوء أخضر من الادارة الامريكية ، وربما مِنْ غيرها أيضاً . مؤشرات تُعزّز رأينا ،فما هي ؟
أولاً ، تهتم الادارة الأمريكية وتتحكم ،بشكل مطلق ،في نطاق و مساحة الحرب والمعارك التي تخوضها إسرائيل في المنطقة . حرصت وتحرص الادارة الأمريكية على عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة ، وكان ولا يزال هذا الحرص احد اسباب إمتناع امريكا من الرّدْ على قرار الحوثيين بمنع وصول السفن والبواخر السالكة في البحر الأحمر ، و المتجّه إلى إسرائيل . ترى امريكا بأنَّ لايران دوراً كبيراً في قرار وهجمات الحوثيين على السفن المتجّه لإسرائيل ، وقد صرّحت المتحدّثة باسم المجلس القومي الأمريكي ،السيدة أدريان واتسون ،قبل ثلاثة ايام ،أنَّ إيران متورطة بشكل كبير في التخطيط للعمليات التي يقوم بها اليمنيون في البحر الأحمر ، ونفت رسمياً إيران الاتهام .
عملية الاغتيال هي رّدْ أمريكي إسرائيلي على التورّط الايراني ،المزعوم ، في العمليات ضّدَ إسرائيل في البحر الأحمر .
عملية الاغتيال هي أيضاً ،فرصة ثمينة لنتنياهو ،ليس فقط للرّدْ على إيران ، وانما للاستمرار في الاغتيالات و الاعتداءات التي تستهدف ايران في سوريّة او في داخل إيران ، وكذلك هي فرصة مواتيّه له لتحقيق انتصار معين ،لاسيما استخباراتي و عملياتي ،في وقت تنهال عليه ( واقصد على نتنياهو ) ، الانتقادات والشتائم من كل حدبٍ وصوب ، وفي وقت يواجه جيشه ونُخبه العسكرية خسائر فادحة و مُغزية في الأرواح والعتاد و الآليات في غزّة .
ثانياً ، تداولت انباء صحفيّة عن معلومات مُسّربة ،مفادها نيّة إسرائيل بأغتيال قيادات حمساويّة و قيادات من المقاومة في لبنان ، و عودة اسرائيل إلى ممارسة سياسة الاغتيالات في ساحة المقاومة . على ما يبدوا ،لم يعرْ الطرف الإيراني اهتمام لهذا الإنذار او التحذير ، ظّنناً منه بأنَّ إسرائيل غارقة في وحل و انفاق غزّة ،و لن تجرأْ على الاقدام ،أو غُرّرَ ( و اقصد الطرف الإيراني ) بما ترّدده الادارة الأمريكية بحرصها على عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة .
ثالثاً ، هل كان لروسيا علمٌ و دراية بالعملية وبالمُستَهدفْ ؟
نتساءل لاننا نتوقع وجود تفاهم سّري او شبه سّري بين روسيا و إسرائيل حول الاعتداءات و العمليات العسكرية التي تكرّرها إسرائيل ودون توقف في سوريّة ،تفاهم يمنعُ استهداف القواعد العسكرية الروسيّة في سوريّة و يتحاشى الجيش العربي السوري ، على غرار التفاهم والتنسيق بين روسيّا و امريكا حول العمليات العسكرية الأمريكية في شرق الفرات .
هل انتهزت إسرائيل فرصة برود العلاقات الروسية الإيرانية ، و استدعاء الخارجية الإيرانية للقائم بالأعمال الروسي في طهران ،يوم ٢٠٢٣/١٢/٢٤، بسبب دعم موسكو لموقف الدول العربية بشأن الجزر الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى و ابو موسى ) ، في البيان الصادر عن المنتدى التعاون العربي الروسي والمنعقد في المغرب ؟
وهذه المرّة الثانية ،التي تستدعي الخارجية الإيرانية سفير روسيا لديها و تبلغه رسالة احتجاج ضّدَ الموقف الروسي ازاء موضوع الجزر الثلاث .و كانت روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي قد اصدرت بياناً مشتركاً في اجتماعهم في موسكو ،في الصيف الماضي ،يدعو إلى إحالة قضيّة الجزر الثلاث إلى محكمة العدل الدولية .
من المناسب ،الاشارة ،لتصريح عضو لجنة الامن القومي في البرلمان الإيراني ،قال فيه ” الروس يغدرون بنا متى ما شاؤوا”.
قد يكون لروسيا علماً في العملية ، ولكننا واثقون من عدم معرفة الروس التفصيلات و ألمُستهدَف في العملية ! لا إسرائيل مطمئنة لدور الروس في سوريّة ، ولا إيران راضيّة لدور الروس في سوريّة ،والذي يسمح لإسرائيل بأن تكون يدها طليقة في سوريّة ،ولا تصلْ إلى القواعد العسكرية الروسية.
لنْ يكْ رّدْ إيران خارجاً عن المآلوف ، لن تمنحْ نتنياهو فرصة توسيع الحرب في المنطقة ، اي فرصة شمول إيران في ساحة الحرب . لن تكْ الحرب أوسع مساحة و جغرافية مما عليه الآن ، غزّة و الضفة و جنوب لبنان واليمن ،واستهداف قواعد عسكرية أمريكية في سوريّة و العراق . يحسبُ نتنياهو بأنَّ كُلَّ ما تقوم به إسرائيل ضّدَ إيران هو غير كافٍ ، و لا يعادل ما تُلحِقهُ ايران بإسرائيل مِنْ خسائر استراتيجية ، و يرى بانَّ إيران تُحارب إسرائيل في غزّة وفي جنوب لبنان وفي اليمن و في سوريّة . وللأسف تسود وجهة النظر الاسرائيلية لدى الدول الأوربية ودول أخرى وكأنَّ فلسطين ليست حقّاً عربياً مُغتصبا ،والجولان ليست ارضاً سوريّة مغتصبة و مزارع شبعا وغيرها ليست اراضي لبنانية محتلة ،و إسرائيل ليس كياناً محتلاً توسعياً ومجرم حرب بأمتياز وخطراً محُدقاً على امن وسلام المنطقة و العالم .
عملية الاغتيال الاسرائيلية والتي هي انتهاك للسيادة السوريَة ،و اعتداء مُتواصل ، يرتقي لدرجة حرب على سوريّة ، تجعلنا نُكّرّرْ بعضاً من الاستفهامات المشروعة :
– هل سيستمر الموقف الروسي بتحديد استخدام دفاعات الجو الروسية المتطورة ،والموجودة على الأراضي السوريّة ، ضّدَ الغارات التي يشنّها العدو الصهيوني على الأراضي السوريّة ؟
-هل سيستمر الصمت العربي ،دولاً و جامعة دول عربية ،ازاء هذه الاعتداءات المتكررة على دولة عربية ،و يترّددْ في اصدار بيان رسمي تنديداً بهذه الاعتداءات المتكرّرة ؟
– هل سيستمر العالم على جعل كياناً غاصباً و محتلاً ،و مرتكباً لجرائم حرب و ابادة جماعية ، مُحصّنناً من العقاب والحساب ،و فوق القانون ؟ الاّ يّهمُ العالم و امريكا أمن واستقرار المنطقة والعالم ؟