الثلاثاء - 08 اكتوبر 2024

حرب الحرير ( القوة الناعمة) وأهدافها الاستراتيجية

منذ 10 أشهر
الثلاثاء - 08 اكتوبر 2024

نافع الركابي

 

القوة الناعمة ( Soft power)‏ مفهومٌ صاغهُ أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الامريكية (جوزيف ناي ) لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وفي الآونة الأخيرة تم استخدام المصطلح للتأثير على العقل الجمعي والرأي العام ومحاولة تغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبياً أو الضغط من خلال المنظمات السياسية وغيرها من اللاتي لهن تأثير مباشر على الحياة المجتمعية.

في الوقت الذي كانت فيه مفاهيم الحرب التقليدية العسكرية هي اللاعب الأساسي على الساحة، وتستنزف الكثير من الانفس والاموال و السمعة السيئة التي تخلفها الحروب إعلاميا، كان لابد من اكتشاف طريقة جديدة في أدارة الحروب بين الدول المتقدمة والمتنافسة على غزو البلدان المستضعفة، وكذا الحال بالنسبة لتلك الدول نفسها لترسيخ مفهوم القطب الواحد لقيادة العالم.

وقد بدأ بالفعل إنتقال هذه القوة ( الناعمة ) الى بعض الدول الاستعمارية الموازية للولايات المتحدة في الثقافة والفكر، فحسب المسح السنوي لمجلة ( مونوكول ) للقوة الناعمة عام 2014، إتضح أن الولايات المتحدة تتصدر المركز الأول، تليها ألمانيا ثم المملكة المتحدة فاليابان وفرنسا وسويسرا وأستراليا والسويد والدنمارك مروراً بكندا، كان الهدف الأول لترويج مفاهيم هذه القوة هو لضرب الافكار لدى الشعوب، كونه (الفكر ) هو السلاح الذي يدافع عن المبادئ لمجموعة الشعوب المستهدفة.

عملت الولايات المتحدة على وتر الحرية، وحق الفرد في اختيار ما يشاء من التوجهات والسلوكيات الدينية والاجتماعية دون تدخل أو ضغط من أحد، وسوُقت هذا المفهوم على إنه حرية وتطور، والحقيقة أن هذه الأفكار الفلسفية الشاذة تدعو إلى الإلحاد و تجريد الشخص من هويته رويداً رويداً حتى تصبح ثقافة عامة للمجتمع، كان الهدف الأول للحكومات هو تهيئة مجتمعاتهم نفسها، حتى تتقبل الفكرة تماما، وتبرر هذه الشعوب ما تفعله حكوماتها ضد المجتمعات الأخرى بكل إطمئنان، ضناً منها انها نوع من انواع الحرية والديمقراطية.

استخدمت الولايات المتحدة الأفكار الفلسفية المنحرفة مثل الفلسفة الوجودية والفلسفة العدمية، التي كانت تدعو إلى تجريد الفرد من هويته تماماً وتركه يعيش في تيه وانعدام الاهداف، وهو ماتتبناه الفلسفة الوجودية من أن الفرد مهما تقدم في التطور على الصعيد العلمي والاجتماعي، إلا أنه سيدرك في النهاية انه حياته عبارة عن عبث وأنه ليس ذا أهمية في هذا الكون مهما فعل، كما نصت الفلسفة العدمية على عدم وجود خالق لهذا الكون، وبالتالي تصب الفلسفتين في تجريد الإنسان من الأهداف السامية والتفكير في هذا الكون ومن الذي أوجده ويديره بهذه الدقة العلمية اللامتناهية، حتى يصاب بالإحباط واليأس انتهاءاً بالانتحار وهو ما نشاهده في الكثير من المجتمعات الغربية المادية.

بعد تجريد الإنسان من المبادئ والقيم والأفكار التي تلزمه في تحديد السلوكيات وانتهاج منهج الخط المستقيم الذي رسمته الأديان السماوية له وبكل تعددها وأنواعها وأشكالها ورسالتها وإنتهاءً بالدين الإسلامي الحنيف، بدأت مرحلة تصدير الأفكار والسلوكيات المنحرفة والتي تضرب أخلاق الفرد وتتناغم مع شهواته الحيوانية وملذاته الدنيوية، لذلك تم اطلاق مشروع المثلية الجنسية، وقانون الجندر (النوع الاجتماعي) الذي يعتبر اسوء من المثلية في إفساد المجتمعات المحافظة.
اعتمدت الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة على عدة طرق في تصدير الثقافة الغربية الى المجتمعات المستهدفة أولها عن طريق إنشاء بعض منظمات المجتمع المدني التي تأسست على ضوء الأفكار الغربية، واستهدفت بشكل مباشر النساء ودعت إلى حق المرأة في نزع الحجاب والتعري واخذ واجبات الرجال، وهو عكس ما نصت عليه الاديان من حفظ وصون المرأة وجعلها بمثابة الجوهرة التي يُخشى عليها من الصدأ والضياع، وهو أعظم وأ بهى درجات التكريم والاحترام لكيان المرأة إلى جانب حقوقها ، على عكس الثقافة الغربية التي تجعل من المرأة سلعة رخيصة لاهم لها إلا إشباع غريزتها في سوق النخاسة، مبررين ذلك بالحرية وغيرها من الامور الخارجة عن فطرة الإنسان القويم.

ثانيا- عن طريق الإعلام و إنشاء الافلام والمسلسلات (هوليود) التي لطالما أظهرت امريكا على أنها الراعي الرسمي والمنقذ لهذا الكون، وكذلك أظهرت المجتمع الغربي على أنه انساني ويحترم حقوق الانسان بل وقد وصل الأمر بهم إلى سن قوانين تحترم حقوق الحيوان ايظاً ، في قُبالة إظهار المسلمين في أفلامهم كهمج رُعاع و دعاة حرب وتطرف و سفك دماء، بينما في الواقع نجد كل تلك الصفات موجودة عندهم، والذي يقرأ ويتغلغل بين صفحات التأريخ يرى مدى الوحشية والظلم الذي تعرضت له البشرية بسبب الغرب ووحشيته وساديته، وما نحن ببعيدين عن كيفية قيام أمريكا التي ما وجدت وبنيت إلا على جماجم السكان الاصليين ( الهنود الحمر ) دون رحمة وروية.

ثالثا- الترويج لمظاهر المثلية، حيث تم تصدير عدد هائل من الماركات الملبوسة التي تثير الغرائز مثل البناطيل الممزقة وغيرها من الموديلات المعروفة بالأسواق، بالاضافة الى الشعارات الموجودة على الملابس، بالتالي فرضت قوانين صارمة تُعاقد من يتعرض للمثلية والشذوذ رغماً عن إرادة أغلب الدول الغربية بل وحتى العربية. كذلك من مظاهر الترويج للمثلية فرقة الغناء الكورية(pts) والتي أصبح أغلب الشباب في العالم يتأثرون بها وبما تحمله من أفكار إلحادية وترويج للمثلية والجندر.

كل هذه الاسلحة الاستراتيجية وغيرها تنضوي تحت عنوان (الحرب الناعمة)، وأراد الغرب بها أن تظهر الاسلام وكل الاديان المحافظة بصورة عامة على أنها محاربة للحرية وسوقوها على إنها غير ذات نفع، وكذلك استخدام اسلحة المثلية والجندر في إخراج الفرد المسلم عن معتقداته ليُصبح إنساناً فارغاً تماماً من الفيم والمبادئ كي يكون لقمة سائغة لهم واليمرروا مشاريعهم الخبيثة بعيداً عن الحرب الكلاسيكية.
ولهذا وجب علينا كأمة مسلمة مستهدفة من قبل الغرب بكل أنواع الحروب الكلاسيكية منها والناعمة ان نتيقظ ونكون على أعلى درجات الحيطة والحذر كي لانقع في براثن هذه الحروب القذرة وقفازاتها الناعمة، وان نلتزم بتعاليم ديننا الحنيف الذي هو طوق نجاة لنا في بحر الانحرافات الدينية والعقائدية والاخلاقية وهي أخطر أنواع الانحرافات كونها لا تؤذي وتؤثر على الشخص نفسه فحسب بل تهدد المجتمع برمته…وذلك هو الضياع العظيم والخسران المبين
اعادنا الله ومجتمعاتنا الاسلامية من شره ومن يقف ورائه…