امرأة الكشتبان والتكنولوجيا
د.أمل الأسدي
“وبس تنزل الشمس ويفتر اللمبچي بدرابين الكاظمية ويشعل الفوانيس، تبدي السوالف الحلوة. والكل صلی وذكر الله، وخلصوا صلاتهم، وصبوا العشا، والجدة”خجه” نزلت الجمرات من الموگد، وحطت المنقلة وقوري الچاي المعدل”
جلس الأحفاد حولها يطالبونها أن تسرد لهم قصةً من قصصها التي لا تنتهي، فقالت: “راح احچيلكم علی هاي المره التاكل بالكشتبان والابرة!
ـ الاحفاد: شلون؟ شلون تاكل بالكشتبان والابرة؟
ـ الجدة: كان يا ماكان في قديم الزمان، اكو فرد رجال شاغول وايحب عياله هوايه، ونفسه طيبه، مايخلي شي ما يجيبه للبيت!
ويوميه المغرب يگعد يم جماعته بالگهوه، وفد يوم صار الحچي عن النفس الطيبه الكريمه، فگال: ياجماعه ماكو مثل ام بيتي، شگد ما اتسوگ تنطيه، توزعه عل الجيران والفقره!
شو الجماعة ظلوا ساكتين!! لا يگولون اي ولا يگولون لا!
چبيرهم گله: خويه لاتزعل، ماشفناكم يوم طلعتوا ماعون!! بعد شوكت المحروسه وزعت؟
گالهم شلون؟ يوميه اتسوگ وتگول اوزعه خطيه!
حتی هيه ابد ما تاكل!
گالوله : اتوكد عمي، تره ماكو هيچ شي!
صبح الصبح وراح اتسوگ وجاب المسواگ للبيت وراح، بس هو ما طلع، ختل بالباريه بالحوش وظل يراقب!
وشاف مرته گطّعت اللحم، وثرمته وحمسته ولفته بگرصتين خبز واكلت.. ورا ساعة مرست خبزتين بالدهن الحر واكلت!
انوب خبزت وشوت بصل ولحم واكلت گرصتين!
ردت ركبت الجدر واستوه ويه الظهر وصبت واكلت گرصتين!
ومن اجه رجلها وصبت له غده، جابت الكشتبان والابرة وگعدت تاكل!
گلها رجلها: اگلچ : انتي گرصتين محموسه وگرصتين مرموسه وكرصتين برمادها وگرصتين تسرسح عن افادها!!
هسه اني المن جايب الاكل؟ غير الكم!
ليش تچذبين؟ ليش خجلتيني گدام الناس؟
اني المره الهيچ تسوي ما تصرف لي!
ووگعت دخيل عليه بعد ما اسويها… وهاي هيه.. وبس ارضا عني!
والرجال سامحها ونسی سالفة الكشتبان وعاشوا عيشه سعيده ولو بيتنا اگريب چنت اجيبلكم حمص وزبيب!
يلة بيبي، روحوا ناموا..كلها نامت هسه”
كان أهلنا يعيشون بانتظامٍ فطري، ونظامٍ صحي فطري، بعيدا عما نعيشه اليوم؛ إذ تقتحم حياتك الإعلانات المختلفة، إعلانات أطعمة (مطبوخة وغير مطبوخة، مكسرات، حلويات، معجنات…الخ) وأشربة مختلفة( شاي، قهوة، عصائر، شاي الورد، سحلب…الخ) وألبسة مختلفة، وحلي ومجوهرات واكسسوارات، مكياج ومساحيق تنظيف وو.. وصولا الی الحفلات وتجهيز الحفلات، والترويج للمناسبات الغربية والأعياد الغربية…الخ حتی أصبحت الأسرة مشحونةً طوال الوقت، غير مستقرة، غير منظمة، تتوق إلی الشراء أكثر وأكثر!
ومن لايتبضع يشعر بعدم الرضا ويتذمر كثيرا ولايكف عن الشكوی، إذ سلبته المقارنة مع الآخرين خصوصيته، واستقلاله، ولاحقت قناعاته، وشوهت حياته ولاسيما المرأة العراقية والعربية والمسلمة عموما، إذ يلاحقها ضخٌ إعلاميٌّ هائل، وغير خاضع للسيطرة أو التحجيم!
وغير مرصود من الدولة ومؤسساتها، وغير متابَع!!
هذا الضحك الإعلامي الذي جاءت به التكنولوجيا؛ مازال يفتك بالأسرة ويهدد أمنها، وكلما زاد الضغط؛ ازدادت حالات الطلاق وتفاقمت المشكلات الاجتماعية!
إن مجتمعنا – الآن- يمر بمرحلة خطيرة ستظهر آثارها مستقبلا، إذ يربي أجيالا ازدواجية الشخصية، ذات سلوك مضطرب، تقول شيئا وتفعل شيئا آخر!
تقلد الآخر وتنفذ كل ما يُطلب منها عبر الترويج والتحريض من دون أن تفكر، أو من دون وجود كوابح توقفها!! أصبحت الذات العراقية والذات العربية أو لنقل الذات المسلمة عموما؛ أصبحت مفقودة، ضائعة!!
فإذا كان تظاهر الزوجة بأنها تأكل بالكشتبان وأنها لاتتوق الی الطعام وأنها توزعه علی الفقراء، قد أزعج زوجها جدا، فما حال الأزواج هذه الأيام؟ وماحال الزوجات؟ وقد أصبح الأمر عكسيا، فالأغلب يشعر بعدم الرضا، وعدم القناعة، والفتيات يحلمن بـ”البراندات” والسفر والسيارات الفارهة!
وهذا طبيعي بسبب ما يشاهدنه في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي سيسلب النساء وعيهن ودينهن وفطرتهن! فقد تظهر لهن إحدی المروجات بعد منتصف الليل وتقول: إنها سهّرت الشباب في الصالون!
وتسأل المتابعين مارأيكم باللوك الجديد؟ ويأتي الحلاق ويقف خلفها ويرفع شعرها بيده، ويصففه لها أمام الكاميرا!!
أو تظهر من غرفة النوم وبملابس النوم! وتقول لزوجها: اتغزل بيه.. أو آخر يظهر هو وزوجته في وسائل التواصل الاجتماعي فتتجاوز عليه وتهينه ويهينها ويضحكون وكأن الأمر طبيعي ومألوف!!
والأمثلة كثيرة جدا، يصعب ذكرها هنا!
فبات من الطبيعي أن ينسی الشباب هويتهم ودينهم ومناسباتهم، بينما يبالغون في الاحتفاء بمناسبات وافدة عليهم، حتی إذا سألتهم عن سبب احتفالهم لن يردوا عليك، لأنهم ببساطة لايعرفون السبب!
إنهم يقلدون، إنهم يستجيبون للضخ الإعلامي الضخم!
هم محاصرون من كل الجهات!
الآن، علينا أن نفكر بشكل جدي، كيف نعالج هذه الظواهر؟ فلانريد امرأة الكشتبان، ولا امرأة البث المباشر من غرف النوم، مع الإقرار بالفارق الكبير بيهما!