الخميس - 28 مارس 2024

أهمية العراق في الاستراتيجية الأمريكية (4)

منذ 4 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024

إعداد: إشراق علي

“رابعا: الأهمية العسكرية والأمنية
من الناحية العسكرية، لم یکن العراق قبل عام 1968 ذا أهمية في هذا المجال إلا أن هذه الأهمية أخذت بالتطور النوعي والكمي التدريجي بعد عام 1968، وعلى النحو الذي جعل العراق في عام 1980 ثالث أكبر قوة عسكرية عربية حيث العدد وثالث دولة عربية من حيث الإنفاق العسكري.
فمنذ تشكيل الجيش العراقي في 6 كانون الثاني / يناير 1921، والنظم السياسية المتعاقبة في العراق، حرصت على الارتفاع بقدراته، بيد أن النقص في الامكانيات المالية متفاعلا مع نوعية الرؤية السياسية لدوره أدى خلال المدة التي سبقت عام 1968 إلى أن تبقى المؤسسة العسكرية العراقية غير فاعلة وهو الأمر الذي رتب حرمان السياسة الخارجية من دعم مؤثر ضمنا أو صراحة.
ومنذ عام 1968 سعى العراق إلى تطوير قدراته العسكرية على أسس علمية جديدة وتطوير اساليب تدريبه وتعبئته وقدراته القتالية بأسرع وقت ممكن، فتطلب الأمر في بادئ الأمر الاعتماد أولا على أصدقائه القادرين على رفده بالسلاح والخبرة العسكرية، فجاء الاتحاد السوفيتي في المقدمة، اذ زود السوفيت العراق عام 1971 بمائة وعشر مقاتلات من نوع (ميك . 21) و(اس پو – 7) وأكثر من عشرين طائرة عمودية وتدريبية وبين (100 – 150) دبابة فضلا عن معدات اخرى. وبعد توقيع المعاهدة العراقية – السوفيتية عام 1972 ساعد الاتحاد السوفيتي على بناء قواعد صواريخ (سام أي أي – م) في العراق، وبعد عام 1973 استمر السوفيت بتزويد العراق بأحدث أنواع المعدات الحربية منها: صواريخ (سكود) وصواريخ (ارض – ارض) وطائرات (ميك – 23) التي تعد من احدث المقاتلات التي أنتجها السوفيت – وقتئذ – وبهذا بلغ إسهام السلاح السوفيتي عام 1975 بحدود (75%) من مجموع أسلحة العراق في حين احتلت فرنسا المرتبة الثانية.
وعلى الرغم من استمرار الحرب مع إيران طيلة ثمان سنوات، فأن مستوى التسليح العراقي بلغ مستويات كبيرة وصلت (12) مليار دولار عام 1987، ثم تطورت قوة العراق العسكرية لدرجة عُدت تغييرا في توازن القوى الإقليمية، فقد خرج العراق بأكثر من خمسين فرقة عسكرية وغير معتمد بشكل مطلق على المعدات السوفيتية وله القدرة على تحريك أعداد هائلة من القوات عبر مسافات طويلة خلال مدة زمنية قصيرة، فضلا عن تطور صناعته العسكرية.
كما أن التوسع الكمي في القوات العراقية رافقه تطور نوعي في القوة التدميرية، والجدول التالي يبين قدرات العراق العسكرية كما ونوعا بعد الحرب العراقية – الإيرانية.
ونتيجة لما تقدم ازدادت أهمية العراق الاستراتيجية من الناحية العسكرية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لأسباب عدة منها:
أولا: تنامي القدرة العسكرية العراقية خلال حربه مع إيران وفي اعقابها التي تجاوزت – على وفق الرؤية الأمريكية – حدود ماهو مسموح به لدولة عربية في العالم الثالث، والتي يعني تجاوزها الإخلال بالتوازن الإقليمي المراقب من القوى الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد.
ثانيا: التهديد الذي شكلته القدرات العسكرية العراقية المتطورة على أمن (إسرائيل) التي أخذت تحقق نوعا من التوازن الاستراتيجي – الفعلي – مع الأخيرة إذ يشكل هذا التهديد مصدر قلق اسرائيلي – أمريكي من تحول الجبهة العراقية نحو إسرائيل بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988.
ثالثا: بروز توجهات للنظام السياسي العراقي السابق أخذت طابعا وحدويا، تمثلت بشكل واضح في مجلس التعاون العربي الذي ضم كلا من العراق ومصر والأردن واليمن.
والأهم من ذلك أن العراق يشكل حالة قطع وانقطاع للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة فمن الشمال تركيا، والوجود الأمريكي كبير في نطاق منظومة الأطلسي، والقواعد الأمريكية ليست بعيدة عن الحدود العراقية، ولطالما شكلت نقطة وثوب وانطلاق لضرب العراق طيلة المدة الممتدة من عام 1990 حتى 2003 وفي الجنوب حيث الحضور والوجود الأمريكي المكثف خليجيا، ولا يوجد انقطاع في الوجود العسكري الأمريكي بين الإقليمين إلا ما يشكله العراق لمثل هذه الحالة قبل 200 3/4/9 لذلك فان احتلال العراق يحقق میزتين إستراتيجيتين للولايات المتحدة الأمريكية :
الأولى: التحكم العسكري في إقليم الشرق الأوسط وصولا إلى أقصى الشرق الأسيوي.
الثانية: التواجد في المنطقة في صيغة قواعد عسكرية.
لذا فان الاحتلال الأمريكي للعراق والذي جاء تطبيقا واضحا للاستراتيجية الأمريكية على الصعيد العالمي والشرق الأوسط خاصة، يمثل تجسيدا عمليا لافكار كبار مسؤولي ادارة (بوش) ومنظري اليمين الديني في الولايات المتحدة الأمريكية احتلالا عسكريا اعترفت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة. لذا اعلن الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) أن العمليات القتالية الكبرى انتهت يوم الأول من ایار/مايو 2003 إذ قال: “انتهت العمليات القتالية الكبرى في العراق، ففي معركة العراق كانت السيادة للولايات المتحدة وحلفائها”، وبمقتضى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1483) الذي صدر في 22 ایار/مايو 2003 الذي اعترف بالأمر الواقع بالسلطات والمسؤوليات والالتزامات المحددة، بمقتضی القانون الدولي المنطبق هنا – لهذه الدولة كدولة محتلة تحت قيادة موحدة.
ويعرف الفقيه (غي انيل) أستاذ القانون الدولي بجامعة السوربون بفرنسا، الاحتلال العسكري بأنه “الاحتلال الناجم عن غزو لجزء أو كل من إقليم من قبل طرف محارب، ويقوم الاحتلال العسكري على الوجود الطويل لقوات عسكرية لدولة ما، حين تحتفظ سلطة الاحتلال بصلاحيات إقليمية تمارسها بشكل مطلق وتتصرف بسيادة تامة”، والاحتلال بموجب المادة 42 من أنظمة لاهاي” وتعتبر الأراضي محتلة عندما توضع فعليا تحت سلطة جيش معاد”.
ورغم أن الواجب المعلن لقوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية تكمن في:
1- واجب إعادة فرض القانون والنظام والحفاظ عليهما.
2- واجب توفير الغذاء والرعاية الطبية وتسهيل المساعدة الإنسانية.
إلا أن الواقع يشير إلى كونه أداة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الأمريكية في العراق وصولا لإعادة تشكيل وترتيب منطقة الشرق الأوسط بما يتوائم وإستراتيجيتها الخاصة باحتكار القرار الدولي لأطول مدة ممكنة، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى:
1- تقديم العراق كأنموذج استرشادي في التحول الديمقراطي للدول العربية.
2- السيطرة على النفط العراقي.
3- العمل على تحويل العراق إلى قاعدة دائمة للوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج.
وبهذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية بعد الاحتلال تهدف إلى خلق حكومة موالية لها في العراق وإعادة بناء النظام الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي دعما لتنامي الوجود الأمريكي.
ولكن الأمور لم تسر كما تريد، فالأداء الأمريكي في العراق بعد الاحتلال اتسم بعقد كبيرة من التخبط والارتباك، فبينما تمكنت القوات الأمريكية في الانتصار عسکریا بسهولة كبيرة على النظام السياسي العراقي السابق، فإنها فشلت بدرجة كبيرة في النهوض بمسؤوليتها كقوة احتلال في العراق، اذ وقع العراق أسيرا للفوضي مع بداية الاحتلال، ثم تسببت ممارسات قواته في تفاقم هذه الفوضى من خلال قراراتها المتسرعة بشأن حل الأجهزة الحكومية كافة، وبالذات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مما اغرق البلاد في حالة من الفوضى والفراغ الأمني والمؤسسي، وهذا ما كانت تعنيه (إعادة بناء العراق) (Reconstruction). التي جاءت أقرب إلى عملية (ترويض للشخصية العربية – العراقية) وهذا ما أكده الصحفي اليهودي (بيل کریستول) لصحيفة هارتس الإسرائيلية في 2004 / 4 / 4 قائلا: “أن الحرب على العراق جاءت من خلال إدراك أمريكي بأن الولايات المتحدة الأمريكية ]يجب[ أن تبادر إلى تصميم عالم على صورتها، قبل أن يصممها العالم على صورته”.
ويرى الباحث أن الاستراتيجية الأمريكية في العراق بعد الاحتلال تسعى إلى إعادة تشكيل الكيان العراقي، وفق القواعد التي تناسب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والخليج العربي، وصولا إلى تفكيك الكيان العراقي وإنهاء بقايا مظاهر السلطة والدولة فيها، حيث اعد لها برنامجا متكاملا كما هو موضح في الجدول رقم (2) الذي نشر ضمن التقرير الذي قدمه مجلس العلاقات الخارجية الأمریکی، يبين ملامح الاستراتيجية الأمريكية الواجب إتباعها من الإدارة الأمريكية في العراق.”________
رابط المقالة الأولى والثانية التي تمثل بداية تسلسل هذا الموضوع:
أولا: الأهمية الجيواستراتيجية للعراق
https://www.facebook.com/kakqkakqkakqk/posts/201608837901748
ثانيا: الأهمية السياسية
https://www.facebook.com/kakqkakqkakqk/posts/201628401233125
“ثالثا: الأهمية الاقتصادية
https://www.facebook.com/kakqkakqkakqk/posts/201649854564313________
1- كتاب: العلاقات الإيرانية الأمريكية: توافق أم تقاطع/ لـ محمد طالب حميد/ من صفحة 112 الى 118
ـــــــــــــــ