عبادة العجل عند بني إسرائيل
د.مسعود ناجي إدريس
سؤال:
لماذا عبد بني إسرائيل العجل رغم انهم شهدوا معجزات النبي موسى بعد تأخيره لعشرة أيام؟ هل عبادة العجل لها خصائص جعتهم يفعلون ذلك؟ لماذا جعل الله توبتهم في قتل بعضهم البعض؟ هل حقاً قتلوا بعضهم بعضاً؟ هل كان الخطاة فقط هم الذين يقتلون بعضهم، أم كان جميع بني إسرائيل يشاركون في هذا العقاب؟ ومتى قبلت توبتهم؟ وهل هذه العقوبة حكيمة؟
جواب:
في الآيتين 51 و54 من سورة البقرة، اشار القرآن إلى جزء مختلف من تاريخ بني إسرائيل الحافل بالأحداث ويذكر اليهود بذكريات صادمة.«تتحدث هذه الآيات عن أعظم انحراف لبني إسرائيل طوال تاريخ حياتهم، وهو الانحراف عن مبدأ التوحيد و الشرك وعبادة العجل، وتحذرهم من أنكم تعرضتم مرة في تاريخكم لمثل هذا المصير بسبب فتنة المفسدين، انتبهوا الآن إلى طريق التوحيد، لقد فتح لكم طريق الإسلام والقرآن فلا تتركوه».(ناصر مکارم، تفسیر نمونه، دارالکتب الاسلامیه، ج۱، ص ٢٥٣)
وردت هذه القصة في سورة الأعراف من الآية 142 إلى 153 وفي سورة طه من الآيات 86 إلى 99 وملخصها كما يلي: «بعد إنقاذ بني إسرائيل من براثن الفراعنة وإغراقهم في النيل، يامر الله تعالى موسى للذهاب في مهمة إلى جبل الطور لمدة ثلاثين ليلة لينعم عليه بألواح التوراة، وبمشيئة الله تمتد فيما بعد إلى عشر ليال لاختبار الناس. اغتنم السامري الفرصة فصنع عجلاً من الذهب والجواهر التي تركها بني إسرائيل من الفراعنة، فكان يصدر صوتاً خاصاً ودعا بني إسرائيل إلى عبادته فتنضم إليه الأغلبية الساحقة من بني إسرائيل ويبقى هارون (ع) خليفة موسى (ع) مع أقلية على التوحيد، ولكن مهما حاولوا إرجاع الآخرين عن هذا الانحراف الكبير لم ينجحوا في ذلك، بل لم يبق شيء ليخضع هارون الى دعوته وبعد عودة موسى من الجبل انزعج النبي (ع) بشدة من رؤية هذا المشهد وانهرهم، فأدركوا قبح فعلتهم وحاولوا التوبة، فقدم لهم موسى توبة من الله لم يسبق لها مثيل. »(همان، ص ٢٥٣-٢٥٤.) وهو أن عليهم أن يقتلوا بعضهم البعض حتى يقبل الله توبتهم.
وفي ما يلي سيتم الرد على أجزاء مختلفة من الأسئلة المطروحة بالترتيب.
۱. لماذا عبد بني إسرائيل العجل رغم انهم شهدوا معجزات النبي موسى بعد تأخيره لعشرة أيام؟ هل عبادة العجل لها خصائص جعتهم يفعلون ذلك؟
لم تكن لعبادة العجل سمة خاصة، أي أنه لو صنع السامري شيئًا آخر بدلًا من العجل، لكان من الممكن أن يخدع نفس العدد من بني إسرائيل. وسبب هذا التوجه بين بني إسرائيل هو أنهم اعتادوا عبادة الآلهة المصطنعة والمزيفة عند الأقباط منذ سنوات، وكانوا يريدون من النبي موسى (ع) أن يأتيهم بإله من هذا النوع. وبعد انشقاق البحر ورؤية كل العلامات والرؤى، لما رأوا جماعة تعبد الأوثان، قالوا لموسى الكليم: «یا مُوسَی اجْعَلْ لَنا إِلهاً کَما لَهُمْ آلِهَهٌ قالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون»(الاعراف، ۱۳۸) فاستغل السامري هذا الضعف الفكري وضعف البصيرة عند بني إسرائيل ونشر فيهم عبادة العجل.(ر.ك: جوادی آملی، تفسیر تسنیم، ج ٤، ص ٣٩٦.)
وكان الإغراء الثقافي والمغالطة الفكرية التي تحول بها بني إسرائيل إلى عبادة الأوثان هو أنهم اعتبروها معجزة سامرية لأنهم قاسوا خوار عجل بلا روح مع مهجزة الثعبان لعصا النبي موسى، أو لأنهم ساوا نداء العجل بنداء «إِنَّنِی أَنَا اللَّه»(طه، ١٤.)، واعتبروه كلام الله سبحانه.
۲. لماذا جعل الله توبتهم ليقتلوا بعضهم؟
قد يتساءل البعض: لماذا تتم هذه التوبة بهذا العنف؟ ألم يكن من الممكن أن يقبل الله توبتهم دون إراقة الدماء؟ الجواب على هذا السؤال هو ذلك «إن مسألة الانحراف عن مبدأ التوحيد والميل إلى عبادة الأوثان لم تكن قضية بسيطة يمكن التغلب عليها بسهولة، وذلك بعد رؤية كل المعجزات الواضحة ونعم الله العظيمة. (تفسیر تسنیم، ج ٥، ص۳۸۷.) والحقيقة أن كل مبادئ الديانات السماوية يمكن تلخيصها في التوحيد، وإضعاف هذا المبدأ يعادل فقدان جميع أسس الدين؛ ولو اعتبرت مسألة عبادة العجل بسيطة، فربما أصبحت سنة للأجيال القادمة، خاصة وأن بني إسرائيل بشهادة التاريخ كانوا شعبا عنيدا ومتذرعين، لذا ينبغي أن يمنحوا مثل هذا العقاب حتى يتذكره الناس على مر العصور ولن ينساها أحد، وربما الجملة «ذلِکُمْ خَیرٌ لَکُمْ عِنْدَ بارِئِکُمْ»،(البقرة، ٥٤.) اشارة لهذا المعنى ».(تفسیر نمونه، ج۱، ص ٢٥٦.)
۳. هل حقاً قتلوا بعضهم بعضاً؟ هل كان الخطاة فقط هم الذين يقتلون بعضهم، أم كان جميع بني إسرائيل يشاركون في هذا العقاب؟ ومتى قبلت توبتهم؟
بحسب الآيات والأحاديث فإن الذين صاروا من عبدة العجل هم المكلفون بهذا العمل، وليس جميع بني إسرائيل؛ ولكن هناك اختلافاً فيمن كلف بقتلهم:
أ) يقول البعض: إن موسى أمر الجميع أن يغتسلوا ويلبسوا الأكفان ويقفوا في صفين، وجاء هارون ومعه 12 ألف شخص لا يعبدون العجل وبدأوا في قتلهم.
ب) وقال بعضهم: هؤلاء السبعون الذين كانوا مع موسى على جبل الطور قتلوا عبدة العجل.
ج) وقال بعضهم: صفوا صفين، فغلب كل واحد منهم الآخر. وقيل إنهم قد أحاط بهم ظلام شديد فأخذوا يقتلون بعضهم بعضاً . وقد روي أنه بينما كان بني إسرائيل يقتلون بعضهم البعض، دعا لهم موسى وهارون واستغفروا لهم حتى نزل الوحي اومرهم بالتوقف عن قتل بعضهم، وقبلت توبة الباقين.(فضل بن حسن الطبرسی، مجمعالبیان فی تفسیر القرآن، ج۱، ص۲۳۹.)
٤. هل هذه العقوبة حكيمة؟
بعد رؤية كل معجزات ورؤى التوحيد فإن عبادة بني إسرائيل للعجل هي أكبر انحراف عن أهم مبدأ وركن من أركان الإيمان. ولذلك فإن شروط ومتطلبات الاستغفار وقبول التوبة منه يجب أن تكون صارمة جداً وغير مسبوقة حتى لا يتضرر هذا المبدأ الذي هو جوهر الأديان السماوية كلها، وحتى لا يصبح الانحراف تقليداً أسود للأجيال القادمة.(تفسیر تسنیم، ، ج ٤، ص ٤٣٩)
جعل الله سبحان قتل بني إسرائيل وقتل بعضهم بعضا تكملة لتوبتهم. ورغم أن هذا الحكم صعب وقاس في ظاهره، إلا أنه رحمة لتطهير مجتمع بني إسرائيل الملوث، ودفاعًا عن الركن الأساسي لجميع الأديان السماوية، وهو التوحيد، ومحاربة الجرثومة الفكرية. أي: الشرك.(همان) فقتل بعضهم بعضاً، وخاصة الأقارب والأصدقاء، رغم أنه كان صعباً ويهدد حياة القاتل والضحية على السواء، إلا أنه خير للجميع؛ لأن هذا العذاب المحدود والمؤقت في الدنيا، مع أثر التطهير من دنس الشرك، هو سبب حصانة بني إسرائيل من عذاب الآخرة الأبدي، وحصولهم على النصر والنعيم الأبدي.(همان)
الاستنتاج:
۱. كان سبب ميل بعض بني إسرائيل إلى عبادة العجل هو أنهم اعتادوا عبادة الأوثان عند أقباط مصر سنين طويلة وكانوا يريدون أن يكون إلههم مثل آلهتهم. كما استغل السامري ضعفهم الفكري ونشر فيهم عبادة العجل.
۲. إن مسألة الانحراف عن مبدأ التوحيد والميل إلى عبادة الأوثان لم تكن قضية بسيطة يمكن التغلب عليها بسهولة، وذلك بعد مشاهدة كل تلك المعجزات الواضحة ونعم الله العظيمة. ولو اعتبرنا مسألة عبادة العجل بسيطة، لربما أصبحت تقليداً للأجيال القادمة.
٣. بحسب الآيات والأحاديث فإن الذين صاروا من عبدة العجل هم المكلفون بهذا العمل، وليس جميع بني إسرائيل؛ لكن هناك اختلافاً في من كلف بقتلهم.
٤. جعل الله سبحان قتل بني إسرائيل وقتل بعضهم بعضا تكملة توبتهم. ورغم أن هذا الحكم قاسٍ في ظاهره، إلا أنه رحمة لتطهير مجتمع بني إسرائيل الملوث، وحفظهم من عذاب الآخرة الأبدي، ونيلهم الفوز والنعيم الأبدي.