معرفة الحدود أمان لا قيود..!
-كوثر العزاوي-
ورد عن أمير المؤمنين وإمام المتقين “عليّ عليه السلام” قوله:
{إنَّ اللهَ افْتَرضَ عليكم فرائضَ فلا تضيّعوها، وحَدَّ لكم حدودًا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياءَ فلا تنتهِكوها، وسكَتَ لكم عن أشياء ولم يدَعْها نسيانًا، فلا تتكلّفوها }.
-نهج البلاغة- الحكمة ١٠٥-
إنّ المتأمّل في هذا القول يرى في ثنايا حروفها خريطةَ حياة واقعية متكاملة، رسَمَتها يدُ العترة المطهّرة لتكون لنا نحن اتباع آل محمد “عليهم السلام”باكورة راحة وسعادة للروح، وأمانًا من الشبهة، سيما وأنّ الخريطة رُسمت وفق ضوابط السماء ونواميس الفطرة، ولعلّ ماورد في القول المبارك أعلاه، هو دعوة مجانية للالتزام بالتعاليم والتوجيهات والسير على منهاجها، وانّ الاهتمام بتنفيذها ضمان لأمد حياةِ مَن يعتمد مضامينها، وثمة درس مستفاد يلوح في قوله”عليه السلام”وهو ترك التطلّع إلى مالا يَعنينا من أمور وقضايا لم يرد فيها أمر ولانهي، لا على نحو الإلزام ولا الخَيار، وإن كان اعتماده مناسبًا لما أغفله الخالق الرؤوف وهو العالم بما نخفي ومانعلن كما لا يعجزه شيء!، فما سُكِت عنه فلا تكليف فيه ولاتكلّف ولم يكن السكوت بمنأى عن المصلحة والحكمة التي لا تدركها عقول المخلوقين مهما أوتيت من قدرات، لسبب بسيط جدًا، أنّه “تبارك وتعالى” هو خالق العقول وأصحابها، وهو الموجِد لها، والمودِع فيها القدرة والقابلية على التفكير والإبداع -وبالتالي- فهو سبحانه أعلم وأحكم بما ينسجم مع سعة طاقتنا العقلية والجسمية، فلا موجب بعدئذٍ للسؤال عما وُضِع عنا من أمور لمصلحة ما في جميع مفاصل الحياة المتنوعة، ويبقى الواجب علينا التوجه نحو امتثال الأوامر واجتناب النواهي وعدم الاعتراض والتشكيك فيما شرّع الإسلام من تكاليف وفرائض، يقول احد العلماء- {إنّ التشريع القائم يغطي مساحة عُمر الإنسان ووقته، فقد برمج وِفق المناسب لحالِ كل فرد بحسب الاختلاف من جنس وزمان ومكان وفئة، وحالةَ كل إنسان بما للكلمة من شمولية المعنى!}.وثمة أمر جدير بالإشارة وقد يكون اهم دعامة في حياة المؤمن عندما يُري الله”عز وجل” مَن يشاء ملكوت الحرام وسبل الشبهات ثم ينكشف له ذلك، كان من السهل عليه اجتناب الحرام الذي يشمئز منه اشمئزازا، فهو كمن يرى بالمجهر الجراثيم القاتلة في الطعام الشهيّ، فينصرف عنه من دون مجاهدة، وكذلك من يرى بمجهر القلب السليم الجراثيم الخفيّة الباطنية في كل محرّم، فإنه سيرتدع بلاشك قاصدًا راضيا، ولا يتأتّى ذلك المقام إلّا باعتماد التقوی والتوكّل على الله، فهما العاملَان الاساسيّان للخروج من الطريق المسدود، كما أنهما ضرورتان لتأمين حياة الفرد اليومية وكذا المستقبلية، بصريح قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ ٱللهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا* وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ* وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥ إِنَّ ٱللهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِ قَدۡ جَعَلَ ٱللهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} الطلاق ٢-٣
وهنا ندرك، أنّ الإنسان المتّقي يضع رغباته تحت تصرّف الإرادة الإلهية، والإرادة الإلهية لا يقف أمامها عائق، وهي رهن الإمضاء مع تحقق الشرط كما بيّنت الآيات، وإنّ التمسك بما جاء في القرآن ورعاية الأمور المعنوية، فأنها تؤثر في الحياة المادّية والمعنوية، وتلعب الإمدادات الغيبية دورًا مؤثرًا في حياة الانسان وليس ثمة عبث مطلقا، لأن كل أمور الكون تابعة لقانون وحساب وكتاب،
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الشورى ١٢