علاقة بغداد مع واشنطن وطهران.. فرص التوازن..!
علي عزيز الزبيدي ||
١٧/٢/٢٠٢٤
تتجه حكومة الرئيس محمد شياع السوداني إلى بناء علاقات عراقية متوازنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران الدولتين الأكثر نفوذا وتأثيرا في مسارات السياسة العراقية.
لكن السوداني يسعى لبناء علاقات تحالف مع الولايات المتحدة كتلك التي بين الأخيرة ودول أخرى مثل السعودية وتحدث عنها في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال الشهر الماضي.
قال السوداني إنه يعتزم إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن لإجراء محادثات مع المسؤولين الأمريكيين.
وشدد على أن العراق يود أن تكون علاقاته مع الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي تتمتع بها السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج، مضيفا أنه لا يرى أنه من المستحيل أن يكون للعراق علاقات جيدة مع إيران والولايات المتحدة.
ومن المهم الحكومة العراقية تجنب أي توتر في العلاقات مع واشنطن حتى لا يُقدم البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي يفرض وصاية على الأموال العراقية، على اتخاذ عقوبات تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق حاليا، وخاصة مع تراجع أسعار صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي.
كما أن العراق لا يزال بحاجة إلى إعادة تأهيل قواته الأمنية وتدريبها على أيدي مستشارين أمريكيين وتوريد المزيد من الأسلحة والذخائر والمعدات من جهتها صرحت الحكومة العراقية في اكثر من مناسبة انها ليست بحاجة للوجود الامريكي كون القوات العراقية قادرة على استلام الملف الامني .
وفي بغداد، بحث وفد أمريكي برئاسة نائب مساعد الرئيس الأمريكي منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، الإثنين 16 يناير/ كانون الثاني مع السوداني جملة من الملفات خلال أول لقاء من نوعه بين مسؤول أمريكي رفيع ورئيس الحكومة العراقية الجديدة التي شكلها الإطار التنسيقي” نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووفق بيان للسفارة الأمريكية ببغداد، فإن الوفد الأمريكي أكد التزام الرئيس الأمريكي جو بايدن باتفاقية “الإطار الإستراتيجي” مع العراق وتعزيز التنسيق بين البلدين لدعم “إصلاحات” الحكومة العراقية في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمناخ.
كما أكدت واشنطن التزامها بتقديم المشورة والتمكين والمساعدة للقوات الأمنية العراقية في قتالها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وضمان عدم عودة التنظيم في الجارتين العراق وسوريا، بحسب البيان.
ومنذ أن تولى السوداني رئاسة الحكومة اعتمد سياسة جديدة في إطار جهود بناء الدولة العراقية ومكافحة الفساد ضمن حملة طالت العشرات من كبار المسؤولين السابقين ورجال الأعمال والمستثمرين في محاولة لاجتثاث الفساد واستعادة أموال الدولة التي نهبت خلال حكومة الكاظمي .
وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز فرص اندماج العراق في محيطه العربي عبر مشاريع البنية التحتية المشتركة والاستثمارات.
وكذلك سيصل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى واشنطن للمشاركة في رئاسة اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية “الإطار الاستراتيجي” مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، وفق بيان السفارة.
وعبر تقنية الاتصال المرئي عُقدت، في 11 يونيو/ حزيران 2020، أول جولة مناقشات في إطار الحوار الإستراتيجي بين البلدين في أجواء من التوترات الأمريكيةـ الإيرانية، بعد اغتيال قادة النصر الشهيد المهندس والشهيد قاسم سليماني ورفاقهما في غارة أمريكية قرب مطار بغداد وزيادة هجمات الفصائل المسلحة على القواعد والمنشآت للقوات الأمريكية بالعراق.
وتتهم واشنطن، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها العراق بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار ودعم العراق لمكافحة الارهاب الذي صنعته امريكا .
وبين العراق والولايات المتحدة علاقات صداقة وتعاون قائمة على مبادئ اتفاق “الإطار الاستراتيجي” المبرم عام 2008 بين حكومتي رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، القيادي الأبرز في “الإطار التنسيقي”، والرئيس الأمريكي حينها جورج بوش الابن.
وتبدي الولايات المتحدة اهتماما خاصا بعلاقات بغداد مع إقليم كردستان شمال العراق، وترى أن هناك تقدما في حل الخلافات بين الجانبين بشأن إيرادات وصادرات الطاقة.
وإلى أربيل، توجه الوفد الأمريكي للاجتماع مع رئيس إقليم كردستان شمال العراق نيجيرفان بارزاني ومسؤولين آخرين أبرزهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.
ويُتوقع أن تتطرق المباحثات إلى الخلافات بين الحزبيين الديمقراطي والاتحاد الوطني وحلها بافضل السبل وخف التوتر بينهما.
وخلافا لتوجهات قوى “الإطار التنسيقي صرح السوداني في المقابلة مع الصحيفة الأمريكية بحاجة بلاده إلى القوات الأمريكية في الحرب على الإرهاب.
ولم يتطرق بيان السفارة الأمريكية ولا بيان للمكتب الإعلامي للسوداني إلى ما يتعلق بجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق أو إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما تدفع به قوى سياسية نجحت في تمرير قرار برلماني يلزم الحكومة بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.
وبعد يومين من استشهاد قادة النصر الشهيد قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس، تبنى مجلس النواب العراقي في 5 يناير/ كانون الثاني 2020 قرارا يلزم حكومة رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق.
لكن حكومة الكاظمي لم تلتزم بالقرار وأعلنت إعادة انتشار القوات الأمريكية وتحويل مهامها إلى “غير قتالية” تتعلق بتقديم الاستشارات والتدريب للقوات الأمنية لاستمرار مواجهة “داعش”.
وتدرك حكومة السوداني والقادة العسكريون العراقيون التوجه الشعبي والبرلماني إلى اخراج القوات الأمريكية بفترة زمنية محددة من قاعدتي أربيل وعين الأسد، لضمان منع التهديدات المحتملة من هذه القوات في عمليات الاغتيال ضد قادة الحشد الشعبي التي قامت به مؤخرا .
وضرورة وقوف بغداد على الحياد في التوترات بين واشنطن وطهران، وعدم السماح بتحويل الأراضي العراقية إلى ساحة صراع بينهما يكون العراق هو الخاسر فيها.
ويتبنى “الإطار التنسيقي”، الذي يقود حكومة السوداني، إخراج القوات الأمريكية عبر القنوات الدبلوماسية أو القوة العسكرية.
ووجهت حركة حقوق، إحدى قوى “الإطار التنسيقي” ويُعتقد أنها تمثل الجناح السياسي لكتائب “حزب الله العراقي”، انتقادا لتصريحات السوداني التي أعلن فيها عن استمرار حاجة العراق للقوات الأمريكية، بالرغم من قرار البرلمان بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.
وبعبوات ناسفة وصواريخ وطائرات مسيّرة، شن مسلحون مئات الهجمات على أرتال الدعم اللوجستي والمرافق الدبلوماسية الأمريكية في كل من بغداد وأربيل والبصرة وقواعد عراقية تتواجد فيها قوات أمريكية.
وأن واشنطن وطهران تحاولان إعادة ترتيب الأوضاع في العراق بما يخدم مصالح كل منهما.
هذا التنافس يأتي في ظل تقارير إعلامية عن خلافات تشوب علاقات السوداني بقيادات “الإطار التنسيقي”، بعد أن بات السوداني يقترب أكثر من واشنطن والعواصم العربية، وهو ما تراه هذه القيادات من هلا للتوازن السياسي الذي تنتهجه الحكومة في العراق.