مفهوم الحزن في الإسلام..!
رياض البغدادي ||
في مؤسسة ثائر العصامي للنشر والتوزيع – بغداد صدر لي قبل ايام كتاب تحت عنوان ( مفهوم الحزن في الاسلام ) قلت في مقدمته :
ذكر الله تبارك وتعالى الحزن في كتابه العزيز بطرائق مختلفة وأساليب وإشارات رمزية متعددة موزعة في آيات كثيرة، يختلف تفسير الحزن فيها بحسب السياق القرآني لموقع تلك الآيات، ومن خلال المشتركات في النصوص القرآنية يمكننا توزيعها الى مجاميع بحسب المقصود القرآني من ذلك الحزن، فهناك حزن أُخروي وعد الله تبارك وتعالى المؤمنين بنفيه عنهم، ومنع وقوعه في ساحتهم، وهذا النوع من الحزن جاء في عشرين آية، إلا أن الوعد الإلهي فيها كان مشروطاً وجاء في سياقٍ قرآني يتحدث عن نوع من أنواع الأعمال والطاعات والالتزامات الدينية، إذا ما التزم المؤمنون بأدائها سيكون ثوابه نفي الحزن والخوف عنهم يوم القيامة، و بالمقابل هناك سياقٌ قرآني يقدم الحزن كعقاب يتوعّد الله به الكافرين والمشركين في الآخرة، وهذا إضافة الى ما نلاحظه من خطابات اخرى إرشادية، يكون الحزن فيها عنصراً من عناصر الإرشاد والتوجيه، يخص الله به النبي (ص) أو المؤمنين بتجنب الوقوع فيه، لأنه نوع ممقوت من الأحزان يخالف أصل العقيدة، أو فرع من فروعها التشريعية، وهذا بالطبع لا يجعلنا نغفل عن خطاب قرآنيّ آخر، يمدح الله تبارك وتعالى فيه الحزن لأسباب نابعة من الحزن نفسه، أو من دوافعه أو ما يؤول اليه من نتائج.
إن الناظر المتفحص للآيات القرآنية التي ورد فيها الحزن، سيقف حتماً على الرمزية التي رافقت تلك الأحزان، خاصة الآيات التي ذكرت حزن الأنبياء والصالحين، فلكل حزن من تلك الأحزان رمزية توقّف عندها المفسرون كثيراً، وفككوا رموزها ليستنبطو منها معانيَ عظيمة للأخلاق، وما يهدف اليه الخطاب القرآني من ترسيخ منظومات فكرية أخلاقية تعالج المُثل التربوية للمؤمن، لتجعلها متوافقة مع النظام القرآني الخاص ببناء شخصية الإنسان.
إن مفردة الحزن لا يمكن أن تؤتي ثمارها، سواء منها السلبية أو الإيجابية، أن لم تسِر وفق منهج متكامل، يقود الفرد الى نوع أو طريقة للحياة، يتكامل فيها الحزن مع مفردات أخرى فكرية وروحية، وتطبيقات عملية يكون أثرها واضحاً على حياة الإنسان، فلم يكن يعقوب النبي حزيناً وكفى، بل إن ( الحزن اليعقوبي ) كان منظومة دعوية اصطبغت بها حياة النبي يعقوب عليه السلام، وبان أثرها على محيطه المجتمعي كله، وسيأتي بحث ذلك والتوقف عنده ملياً ليكون الأمر واضحاً أكثر ..
من هنا يجرنا البحث الى الفارق الجوهري للتعامل القرآني مع مفردة الحزن، وكيف كان سياق الآيات في عرض حزن أم موسى مثلاً وطبيعة السياق في عرض حزن مريم وآسيا زوجة فرعون، فهناك بَوْنٌ شاسع في عرض الحزن كقضية اجتماعية عامة، وبين عرضه كحالٍ فردية يقدمها القرآن كأنموذج وعبرة ..
اتمنى لكم مطالعة ممتعة للكتاب